يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر ، وتركوا ما عنه زجر ، أنهم ) إذا مسهم ) أي:أصابهم "طيف "وقرأ آخرون:"طائف "، وقد جاء فيه حديث ، وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل:بمعنى واحد . وقيل:بينهما فرق ، ومنهم من فسر ذلك بالغضب ، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ، ومنهم من فسره بالهم بالذنب ، ومنهم من فسره بإصابة الذنب .
وقوله:( تذكروا ) أي:عقاب الله وجزيل ثوابه ، ووعده ووعيده ، فتابوا وأنابوا ، واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب . ( فإذا هم مبصرون ) أي:قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه .
وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف فقالت:يا رسول الله ، ادع الله أن يشفيني . فقال:"إن شئت دعوت الله فشفاك ، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك ". فقالت:بل أصبر ، ولا حساب علي .
ورواه غير واحد من أهل السنن ، وعندهم:قالت يا رسول الله ، إني أصرع وأتكشف ، فادع الله أن يشفيني . فقال إن شئت دعوت الله أن يشفيك ، وإن شئت صبرت ولك الجنة ؟ "فقالت:بل أصبر ، ولي الجنة ، ولكن ادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ، فكانت لا تتكشف .
وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال:صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة "عمرو بن جامع "من تاريخه:أن شابا كان يتعبد في المسجد ، فهويته امرأة ، فدعته إلى نفسها ، وما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل ، فذكر هذه الآية:( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) فخر مغشيا عليه ، ثم أفاق فأعادها ، فمات . فجاء عمر فعزى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلى على قبره بمن معه ، ثم ناداه عمر فقال:يا فتى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن:46] وأجابه الفتى من داخل القبر:يا عمر ، قد أعطانيهما ربي ، عز وجل ، في الجنة مرتين