وقد كان بجوار ذلك تثبيت الله تعالى بالملائكة فقد قال تعالى:
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} .
موقعة الفرقان هي موقعة الحق أيدها الله ، واتخذت كل الأسباب لها ، والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء ، أيدهم الله تعالى أولا بالمدد من الملائكة الذي كان بشرى واطمئنانا ، وأيدهم ثانيا بأن الله مع المؤمنين والملائكة ، وأيدهم ثالثا بأن أمر الملائكة بأن يثبتوا الذين آمنوا ، وأيدهم رابعا بأن ألقى الرعب في قلوب الكافرين ، وأيدهم خامسا بأن كان الضرب فوق أعناقهم ، والضرب في الأيدي التي تقتل .
{ إذ} في قوله تعالى:{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُم} هي للماضي المتصل بالحاضر ، والمضارع للدوام المتجدد ، أي اذكر أيها النبي من معك ، وحي الله تعالى المستمر الذي لا ينقطع إلى الملائكة أن الله معكم أيها الملائكة في تأييدكم للمؤمنين فهو سبحانه جل جلاله في ملكوته العلى معكم في تأييد المؤمنين وتثبيت قلوبهم ،{ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ} و ( الفاء ) هنا للإفصاح عن شرط مقدر ، والمؤدى:إذا كان اله معكم في التأييد فثبتوا الذين آمنوا ، أي قووهم معشر أرواح الله ، واملأوهم بروحانيتكم لتمتلئ قلوبهم بروح من عند الله ، وإحساس بعظمته ، وجبروته وقوته وعزته ليطلبوا العلا والعزة ولا يذلوا .
وقد التفت سبحانه من خطاب الملائكة إلى خطاب المؤمنين ،{ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ} وهذا معناه اضربوا الرؤوس ، فما فوق العنق هو الرأس ، والبنان الأيدي ، والمعنى أن اضربوا رؤوسهم ، فإنها موطن الشيطان ، واقطعوا أيديهم ، فإنهم يبطشون بها وآذوا المؤمنين وعذبوهم ، وفتنوهم عن دينهم .
والمعنى لا تأخذكم بهم رأفة ، فرد الاعتداء يكون بمثله ، فاقتلوهم وأضعفوا قواهم يشف الله بذلك صدور قوم مؤمنين .