وبين لله تعالى أنه أفاض الأمن والاطمئنان ، فقال تعالى:
{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} .
يقال:غشاه ، بمعنى غلبه النوم ، و ( غشى ) ك ( أغشى ) يجوز فيها التعدية بالتضعيف وبالهمزة:كقوله تعالى:{ فأغشيناهم فهم لا يبصرون ( 9 )} ( يس ) وكقوله تعالى:{ فغشاها ما غشى ( 54 ) فبأي آلاء ربك تتمارى ( 55 )} ( النجم ) .
وغشاهم الله تعالى بالنعاس أي وضعه على عيونهم كأنه غشاء من نعاس . ونعاس مفعول ثان .
و{ أمنة} مصدر أمن ، والمعنى غشاهم الله تعالى بالنعاس آمنين ، أي لأجل أن يكون ذلك أمنا لهم ممن الخوف ، أي للدلالة على أمنهم واطمئنانهم ، فإن النعاس أمن وقرار ، وبعد عن الهم ، فمع القلق السهر ، ومع الأمن النوم .
وإن النعاس عند الإقدام على أمر مهم يقوي النفس ، ويشحذ العزيمة ، ويذهب القلق والاضطراب ، وهو أمارة الاطمئنان ، وقد أنعم الله تعالى على المؤمنين ، ليلتقوا بالأعداء آمنين مطمئنين راجين النصر ، محسنين بتأييد الله ، ومحسين بأن الحق معهم ، ولقد قال علي – كرم اله وجهه – في ليلة بدر:( ما كان منا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) .
والنعمة الأخرى التي ثبت الله تعالى بها قلوبهم نزول المطر ، فقد قال تعالى:{ وينزل عليكم من السماء ماء} فقد كان المشركون في مكان فيه ماء ، ولم يكن عند المؤمنين ماء فغلب عليهم الظمأ ، فوسوست في بعضهم الوساوس ، فانزل الله سبحانه وتعالى الماء حتى سال الوادي ، وملأوا الأسقية وسقوا الركاب ، واغتسلوا من الجنابة فجعل الله ذلك الماء طهورا ، وثبت به الأقدام إذ لبد الله به الأرض ، ويقول الحافظ ابن كثير:( وذلك أنه كانت بينهم وبين القوم رملة فبعث الله تعالى المطر عليها فضربها حتى اشتدت وثبتت عليها الأقدام ) .
وهذا قول الله تعالى:{ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} .
فالماء الذي أنزله الله تعالى سقوا منه ، وكان طهورا أذهبوا به رجز الشيطان وهو الجنابة ، وطهورا حسا ومعنى ، وربط الله تعالى به على قلوبهم ، وثبتهم وأذهب عنهم وساوس الشيطان ، ولبد به الأرض وثبتت عليها الأقدام ، فلا تغوص في الرمال ، وإن هذا الماء كان وبالا على المشركين فقد انهمر حتى دعثر ( 1 ){[1154]} عليهم الأرض وصارت الأرض لا تقوى على تحمل أقدامهم .
هذا كله تأييد حسي من الله اقترن به اطمئنان وذهاب القلق ، والطهر ، وهو يزيد النفوس اطمئنانا .