ثمّ تذكر الآية النعمة الثّانية التي اكتنفت المؤمنين فتقول: ( إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه ) .
و ( يغشى ) من مادة ( الغشيان ) بمعنى تغطية الشيء وإحاطته .فكأنّ النوم كالغطاء الذي وُضعَ عليهم فغطّاهم .
و( النعاس ) يطلق على بداية النوم ،أو النوم القليل أو الخفيف الناعم ولعلها إشارة إلى أنّه بالرغم من هدوئكم النفسِي لم يأتكم نوم عميق يمكّن الأعداء من استغلاله والهجوم عليكم .وهكذا استفاد المسلمون من هذه النعمة العظيمة من تلك الليلة .
والرحمة الثّالثة التي وصلتكم هي: ( وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشّيطان ) .
وهذا الرّجز قد يكون وساوس الشيطان ،أو رجزاً بدنياً كجنابة بعضهم ،أو الأمرين معاً .وعلى أية حال ،فإنّ الماء ملأ الوديان من أطراف بدر بعد أن استولى الأعداء على آبار بدر وكان المسلمون بحاجة ماسة للغسل ورفع العطش ،فإذا هذا الماء قد ذهب بكل تلك الأرجاس .
ثمّ أنّ الله تعالى أراد بذلك تقوية معنويات المسلمين وكذلك تثبيت الرمال المتحركة تحت أقدامهم بواسطة المطر: ( وليربط على قلوبكم ويثبّت به أقدامكم ) ...ويمكن أن يكون المراد من تثبيت الأقدام هو رفع المعنويات وزيادة الثبات والاستقامة ببركة تلك النعمة ،أو إشارة إلى هذين الأمرين .