وإن ذلك جزاء بما ارتكبوا ، ولمحاربتهم الله ورسوله ؛ ولذا قال تعالى:
{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .
الإشارة إلى الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم ، وإلى إمداد الملائكة للمؤمنين وإلى تثبيت الملائكة لقلوب المؤمنين ، وإلى الغلب في المعركة ، وأمر الله للمؤمنين أن يضربوا رؤوسهم وأطرافهم ، كل ذلك لأنهم شاقوا الله ورسوله ، أي صاروا في شق ، والله ورسوله في شق آخر ، يحادون الله ورسوله ، ويغالبونهم حاسبين أنهم الغالبون ، و ( الباء ) في قوله تعالى:{ بأنهم} للسببية أي بسبب أنهم حادوا الله ورسوله ، وما دام الأمر أمر مغالبة ، فالله هو الغالب ، وذكر الله ورسوله ، وكان يكفي ذكر الرسول أو ذكر ربه ، والجواب عن ذلك للإشارة إلى أن محاربة الرسول محاربة لله ، وأن طاعة الرسول طاعة لله{ من يطع الرسول فقد أطاع الله} ( النساء:80 ) وإلى أن عصيان الرسول محادة لله سبحانه وتعالى ، وأظهر في موضع الإضمار:فقال:{ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ} ، ولم يقل من ( يشاققهما ) وذلك لبيان عظيم ما يقترفون ، فهو تنديد بهم ، وتكرار لعظم جرمهم .
وقوله تعالى:{ فإن الله شديد العقاب} بيان لشدة العقاب في الدنيا والآخرة ، وهي دالة على جواب شرط محذوف هذه علته ، والمعنى فإن الله منزل عقابه الشديد بهم في الدنيا ؛ لأنهم يغالبون الله ورسوله ، ونسوا أن الله تعالى غالب على كل شيء .
وسماه الله عقابا لهم ، للإشارة إلى أنهم ليسوا في مقام المغالبة لله ، بل إنهم في مقام من يؤدبون ويعاقبون ، ويردون خاسئين .
وإن عقاب الدنيا والتنكيل بهم فيها ، لكيلا يستشري الشر ، ولكيلا يغروا بالمؤمنين ، ولكيلا يكون على المؤمنين حرج ، ولكي ينالوا جزاء ما فعلوا ، ولأن السابقين كان ينزل العقاب الدنيوي بهم بخاسف أو بريح صرصر عاتية ، أما أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإن الله تعالى يفني الأشرار ، ويبقي الأخيار .