كان عقاب الدنيا لذلك ، وهذا لا يمنع عقاب الآخرة ، وهو الأوفى جزاء ؛ ولذلك قال تعالى:{ ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} .
الإشارة إلى هذا العذاب الأليم ، واتى بكاف الخطاب للجمع ، تأكيدا لعموم الخطاب للكافرين ، وإنهم جميعا يخاطبون بذلك حتى يتوبوا ، فإن تابوا فقد انتهوا والله قابل للتوب شديد العقاب .
وذلك كما قلنا إشارة إلى العذاب ، والإشارة استحضار له ، و ( الفاء ) في قوله تعالى:{ فذوقوه} فيها إشارة إلى العذاب الدنيوي الذي ( يذوقونه ) وهي للإفصاح أي إذا كان هذا عذابكم فذوقوه ، والتعبير بذوقوه إشارة إلى آلامه وقد ذاقوها وأحسوها ، فقد ذاقوا النكال وذاقوا القتل ، وذاقوا الذل بعد الاستكبار ، وذاقوا عذاب الهون بما كانوا يكسبون .
وإنهم مع ذلك لن يفلتوا من عذاب الآخرة ، فإذا النار لاحقة بهم ؛ ولذا قال تعالى:{ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} وفي العبارة ما يوحي بأنه العذاب المعد لهم ، وكأن عقاب الدنيا أمر عرضي ليس هو الجزاء الحقيقي لهم ، إنما كان لمنع استمرار شرهم ، وإنهاء فسادهم ، ولمنع الفساد في الأرض .
{ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين ( 251 )} ( البقرة ) .
ولذا أكد جزاء الآخرة ، لأنه الأصل الثابت ، فقال:{ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ} فأكده أولا – ب ( أن ) الدالة على التأكيد ، وثانيا بالجملة الاسمية الدالة على الاستمرار والدوام ، وثالثا – بتقديم الجار والمجرور الدال على اختصاصهم بعذاب النار ، ورابعا ببيان أن الكفر هو السبب ؛ لأنه عبر بالوصف ، وذلك دليل على أن الكفر هو السبب في عذاب النار . . . . . . .
اللهم اكفنا شره ، واقبل من حسناتنا ما يمحو سيئاتنا ، فإنك قلت قولك الحق:{ إن الحسنات يذهبن السيئات} ( هود:114 ) .