يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ ( 15 ) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 16 ) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 17 ) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ( 18 ) إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ( 19 )
هذه معركة الإيمان والكفر ، وإن شئت فقل معركة الله ورسوله مع الكافرين ؛ لأن المؤمنين اتخذوا الأسباب ، لأنهم توكلوا على الله واستغاثوا به ، ولأنه لم يكن فيهم ضعفاء الإيمان أو المنافقون ، فكانت معركة الله حقا وصدقا ، وهو{ عزيز حكيم} .
يبين الله تعالى أن أول النصر الثبات ، وألا يفر من الميدان ؛ ولذا شدد سبحانه وتعالى في منع الفرار ، لأن الفرار أول الهزيمة ، ولأنه خور في العزيمة ، ولأنه والصبر نقيضان لا يجتمعان ، ولا معذرة في فرار قط ، ولأن يقتل الرجل وهو مقبل بصدره ، خير من أن يقتل وهو مدبر بظهره .
وقال تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً} .
النداء للمؤمنين بوصفهم كونهم مؤمنين ، والإيمان صبر وفداء ، فالنداء بالذين آمنوا تحريض على الصبر واللقاء والثبات ، وذكر لقاء الكافرين ، وهم كانوا يتمنون لقاءهم لينتصروا لله منهم ، وليردوا كيدهم ، فكان نداء أهل الإيمان بعنوان الإيمان تحريضا على الثبات والمجاهدة ، وكان ذكر لقاء الكافرين تحريضا أشد ؛ لأنهم الذين آذوهم وأخرجوهم من ديارهم وظاهروا على إخراجهم ؛ ولذا كان النهي بعد التمهيد ، فقال:{ فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} ، و ( الفاء ) واقعة في جواب الشرط ، وعبر سبحانه وتعالى عن النهي عن الفرار بقوله تعالى:{ فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} ، ومعنى تولى الدبر ، أي أن يتركوا ظهورهم للسيوف تضرب في أدبارهم ، وذلك منظر هو من أقبح المناظر وأقبح تصويرا للفرار من الميدان بضرب السيف في دبره وقفاه ، وإن من يقتل في صدره لا يقتل إلا بعد أن يقتل من الأعداء ، أما من يقتل في ظهره ، فإنه يذهب دمه عبيطا ( 1 ){[1155]} لا يثأر لنفسه .