{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولّوهم الأدبار 15 ومن يولّهم يومئذ دبره إلا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه ومأواه جهنم وبئس المصير 16 فلم تقتلوهم ولكن اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن اللّه سميع عليم 17 ذلكم وأن اللّه موهن كيد الكافرين 18 إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن اللّه مع المؤمنين 19}
نبدأ بتفسير الألفاظ الغريبة في الآيات فنقول ( الزحف ) مصدر زحف إذا مشى على بطنه كالحية ، أو دب على مقعده كالصبي ، أو ، على ركبتيه قال امرؤ القيس:
فأقبلت زحفا على الركبتين *** فثوب لبست وثوب أجر{[1401]}
والمشي بثقل في الحركة واتصال وتقارب في الخطو كزحف الدبا ( صغار الجراد قبل طيرانها ) قال في الأساس:وزحف البعير وأزحف:أعيا حتى جر فرسه وزحّف الشيء جره جرا ضعيفا ، وزحف العسكر إلى العدو:مشوا إليهم في ثقل لكثرتهم ، ولقوهم زحفا ، وتزاحف القوم وزاحفناهم ، وأزحف لنا بنو فلان صاروا زحفا لقتالنا .اه ملخصا والزحف الجيش ويجمع على زحوف لخروجه عن معنى المصدرية .( والأدبار ) جمع دبر ( بضمتين ) وهو الخلف ومقابله القبل بوزنه وهو القدام ، ولذلك يكنى بهما عن السوأتين .وتولية الدبر والأدبار عبارة عن الهزيمة لأن المنهزم يجعل خصمه متوليا ومتوجها إلى دبره ومؤخره ، وذلك أعون له على قتله إذا أدركه .
والمعنى{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا} أي إذا لقيتموهم حال كونهم زاحفين زحفا لقتالكم كما كانت الحال في غزوة بدر فإن الكفار هم الذين زحفوا من مكة إلى المدينة لقتال المؤمنين فثقفوهم في بدر{ فلا تولّوهم الأدبار} أي فلا تولوهم ظهوركم وأقفيتكم منهزمين منهم وإن كانوا أكثر منكم عددا وعددا ، وإذا كان التزاحف من الفريقين أو كان الزحف من المؤمنين فتحريم الفرار والهزيمة أولى ، ولفظ لقيتموهم زحفا يصلح للأحوال الثلاثة ، ورجح الأول هنا بقرينة الحال التي نزلت فيها الآية وكون النهي عن التولي والفرار إنما يليق بالمزحوف عليه لأنه مظنة له ، ويليه ما إذا كان التزاحف من الفريقين .وأما الزاحف المهاجم فليس مظنة للتولي والانهزام فيبدأ بالنهي عنه وهو منه أقبح .