وجملة:{ ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله} تعليل لأن الباء في قوله{ بأنهم} باء السببية فهي تفيد معنى التعليل ولهذا فُصلت الجملة .
والمخاطب بهذه الجملة: إما الملائكة ،فتكون من جملة الموحى به إليهم إطْلاعاً لهم على حكمة فعل الله تعالى .لزيادة تقريبهم ،ولا يريبك إفراد كاف الخطاب في اسم الإشارة لأن الأصل في الكاف مع اسم الإشارة الإفراد والتذكير ،وإجراؤها على حسب حال المخاطب بالإشارة جائز وليس بالمتعين ،وإما من تبلغهم الآية من المشركين الأحياء بعد يوم بدر ،ولذا فالجملة معترضة للتحذير من الاستمرار على مشاقة الله ورسوله .والقول في إفراد الكاف هُو هُو إذ الخطاب لغير معين والمراد نوع خاص ،ويجوز أن يكون المخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم
والمشار إليه ما أمروا به من ضرب الأعناق وقطع البنان .
وإفراد اسم الإشارة بتأويله بالمذكور ،وتقدم غير مرة .
والمشاقة العداوة بعصيان وعناد ،مشتقة من الشّق بكسر الشين وهو الجانب ،هو اسم بمعنى المشقوق أي المفرق ،ولما كان المخالف والمعادي يكون متباعداً عن عدوه فقد جعل كأنه في شق آخر ،أي ناحية أخرى ،والتصريح بسبب الانتقام تعريض للمؤمنين ليستزيدوا من طاعة الله ورسوله ،فإن المشيئة لما كانت سبب هذا العقاب العظيم فيوشك ما هو مخالفة للرسول بدون مشاقة أن يُوقع في عذاب دون ذلك ،وخليق بأن يكون ضدها وهو الطاعة موجباً للخير .
وجملة:{ ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب} تذييل يعم كل من يشاقق الله ويعم أصناف العقائد .
والمراد من قوله:{ فإن الله شديد العقاب} الكناية عن عقاب المشاقين وبذلك يظهر الارتباط بين الجزاء وبين الشرط باعتبار لازم الخبر وهو الكناية عن تعلق مضمون ذلك الخبر بمن حصل منه مضمون الشرط ،كقول عنترة:
إن تُغْدِفي ،دونِي القناع فإنني *** طَبُّ بأخذ الفارس المستلْئمِ
يريد فأني لا يخفى عليَّ من يستر وجهه مني وأني أتوسّمه وأعرفه .