وقد أخذ سبحانه يقص بعض القصص عن الظالمين و عقابهم .
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( 52 ) ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 53 ) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ ( 54 )
بين الله تعالى في الآيات السابقة أن الله تعالى يعاقب المشركين عقابين ؛ عقابا في الدنيا وهو أن ينتصف للمؤمنين ، وأن ينصرهم ، وأن يجعل الكافرين الأذلين ، وكلمة الله هي العليا ، وكلمة الكفر هي السفلى ، ويبدل المؤمنين من خوفهم أمنا .
العقاب الثاني هو عقاب الآخرة ، وإن عقاب الدنيا قد يكون بأسباب يوفق إليها ، وقد يكون من الله تعالى يكون بمعجزة أو بأمر خارق للعادة كإغراق فرعون ، والنصرة بالريح ، وكلاهما من أمر الله تعالى ، ومن توفيقه ، وقد ذكر الله طواغيت مكة بطاغوت فرعون ، وقد أذال الله تعالى منه ، فقال تعالى:{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .
الكاف للتشبيه والمشبه ما فعله المشركين ، وما ارتكبوه بالنسبة للمؤمنين ، والمعنى أن الله تعالى لتشابه أفعال مع أعمال فرعون وآله أنزل بهم ما أنزله بفرعون ، لقد طغوا وبغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد ، فأخذهم بذنوبهم أي أنزل بهم عاقبة ما فعلوا ، فأصابهم بالرجس وأرسل عليهم الضفادع والدم آيات مفصلات .
وقوله{ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} الدأب مصدر دأب دءوبا ، أي فعلوا مثل ما فعل آل فرعون دائبين مستمرين عليه من تذبيح أبنائهم ، واستحياء نسائهم ، وإيذاء موسى وقومه ، ومن قطع أيدي السحرة وأرجلهم من خلاف ، إذ آمنوا بربهم ، ومن طغيانه وملئه في البلاد ، وادعائه الألوهية وطغيانه على أهل مصر ، وقوله لهم ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .
تشابهت أفعال المشركين مع أفعال فرعون وملئه الذين دأبوا عليها ، واستمروا قائمين بها ، فكان حقا عليهم أن ينتظروا لهم مثل ما آل إليه أمر فرعون ، وقد بين سبحانه وتعالى أنه أخذهم بذنوبهم فقال:{ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ} الباء للسببية وأخذهم معناها أخذهم أخذ معذب مكافئ بما فعلوا ، فالأخذ يتضمن عقابهم على ما فعلوا ، وهو القوي القادر ، كما قال في آية أخرى:{ فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ( 42 )} ( القمر ) ، وقوله تعالى بذنوبهم ، أي أخذهم بالعقاب بسبب ذنوبهم التي ارتكبوها في حق الناس من تأله ، ومن تعذيب ، وإفساد للعقول بالضلال والنفوس بالإرهاق والأذى ، ويصح أن تكون الباء للإلصاق ، ويكون المعنى أخذهم مصاحبين لذنوبهم ويذكرون جرائمهم ، إذ ينزل بهم العذاب .
وقد ذيل الله تعالى النص الكريم بقوله تعالى:{ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .
وهذا في مقام التعليل لقدرته تعالى على الأخذ الشديد لفرعون وأشباه فرعون ، وإن بغوا وطغوا ، وقد وصف الله جل جلاله بوصفين يدلان على شدة الأخذ والعذاب ؛ الأول وصف ذاتي معنوي ، وهو القوة فهو ذو القوة المتين ، والوصف الثاني ، هو أن عقابه شديد متناسب مع الذنوب ، ومثل فرعون وملته ذنوبهم كبيرة شديدة قوية ، فلا بد أن العقاب من جنسها ، وهو جزاء وفاق لها .
وأكد الله تعالى هذين الوصفين بعدة مؤكدات فأكده بتصويره الجملة بوصف الجلالة ، وهو يلقي بالرهبة والهيبة ويكون الجملة الاسمية ، ( وبإن ) التي تؤكد القول . . . . . . . . . وقنا الله تعالى شر عذابه ومنحنا رحمته ، إنه هو الغفور الرحيم .
وإما ينزل بالطغاة من أخذ لهم إنما هو من نفوسهم التي غيروها ، وشوهوا فطرتها بمظالمهم ، لذا قال تعالى:{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما له من دونه من وال ( 11 )} ( الرعد ) ، وقال الله تعالى في معنى هذه الآية:
{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .