وقد بين سبحانه وتعالى عذابه مربوطا بسببه فقال:
{ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} .
الإشارة إلى ما سينزله الله بالذين كفروا ، من العذاب الشديد والعذاب الأليم ، والباء للسببية والمعنى العذاب الشديد بسبب ما قدموا من إيذاء للمؤمنين ، ومعانة لرب العالمين ، وجحود بالآيات وتكذيب لكتاب الله ورسوله ، وعبر سبحانه وتعالى عن ذنوبهم التي تضافرت وتكاثرت بقوله:{ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} مع أن الذنوب تكون بالألسنة وقول الباطل كما تكون بالأيدي ؛ لأن الأيدي بها البطش الظاهر ، وبها أوذي المؤمنون ، وبها نكل بالضعفاء ، وحملها للأسلحة في الحروب ، وإن التعبير عن الكل باسم الجزء مجاز مرسل مشهور ، إذا كان للجزء مكانة خاصة في الحكم ، كقولهم عن الجاسوس:العين ؛ لأن العين لها مظهر خاص في التجسس .
والمراد بما قدموا من أعمال وما قالوا به من أقوال ، وإن هذا الجزاء عدل لا ظلم فيه ، ولذا قال تعالى:{ وما ربك بظلام لعبيد ( 46 )} ( فصلت ) ، وقال سبحانه في هذه الآية{ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} والواو هنا للعطف ، أي أن ذلك العذاب كان بسبب ما قدموه ، وبسبب أن الله تعالى ليس بظلام للعبيد ، أي أنهم ينالون جزاء ما اقترفوا والعادل يعطي كل إنسان ما يستحق ،{ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء . . . . . . . . . . . . . . . . ( 58 )} ( غافر ) ، فذلك يتحقق عدل الله الكامل ، وينتفي عنه الظلم سبحانه إنه علي قدير .
ولو كان الله تعالى سوى بين المجرمين والمحسنين ، لكان ثمة شائبة ظلم ، والله منزه عن ذلك ، ومعاذ الله أن ينسب إليه ، وقوله تعالى:{ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} ، فيه تقرير العذاب ، وتثبيته ، وفيه تبريره .
وقوله تعالى:{ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} نفى للظلم الكثير المتكرر ، فهل معنى ذلك بمفهوم المخالفة أن الظلم القليل ، ليس بمنفى عنه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ؟ .
والجواب عن ذلك أن النص الكريم ينفي أصل الظلم عن رب العالمين ، وإنما النفي بصيغة المبالغة للإشارة إلى أن المساواة بين المحسن والمسيء ظلم كبير ولا يفعله إلا ظلام للعبيد ، وقيل:إن الظلم بصيغة المبالغة لكثرة المستحقين للعقاب ، فلو لم يعاقبهم لكان ظلاما ، والله تعالى ليس بظلام .
ومن هذا النص الكريم يفهم أن العدل يوجب أمرين أولهما ألا يعاقب المحسن ، فإن عقابه ظلم ، وثانيهما أن يعاقب المسيء ولا تأخذ الناس به رأفة ، لأنه لم يرحم الناس ، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم ( من لا يرحم لا يرحم ) ( 1 ){[1181]} .