51 –{ذلك بما قدمت أيديكم ،وأن الله ليس بظلام للعبيد .
أي: هذا العذاب الذي ذقتموه بسبب ما كسبت أيديكم ،من سيء الأعمال في حياتكم من كفر وظلم ؛وهذا يشمل القول والعمل .
ونسب ذلك إلى الأيدي ،وإن كان قد يقع من الأرجل وسائر الحواس ؛أو بتدبير العقل ؛من أجل أن العادة قد جرت ،بأن أكثر الأعمال البدنية تزاول بالأيدي .
{وأن الله ليس بظلام للعبيد} .
لقد جازاكم الله عدلا لا ظلما ؛لأن الله لا يظلم أحدا من خلقه ،بل هو الحكم العدل الذي لا يجوز أبدا ،قال تعالى:{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} . ( الأنبياء:47 ) .
جاء في الحديث القدسي الصحيح ،الذي رواه مسلم: عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله تعالى يقول: يا عبادي ،إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ،فلا تظالموا ...يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ،فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه "xlii .
ظالم وظلام
نجد أن قوله تعالى:{وأن الله ليس بظلام للعبيد} .قد جاء فيها التعبير بنفي الظلم عن الله بصيغة المبالغة{ظلام} .وهل إذا انتفت المبالغة في الظلم ،أينتفي معها الظلم نفسه ؟
والجواب – والله أعلم – أن صيغة المبالغة هنا ،إنما تكشف عن وجه البلاء الذي وقع بالمشركين ،وأنه بلاء عظيم ،وعذاب أعظم ،وأن الذي ينظر إليه يجد ألا جريمة توازي هذا العقاب ؛وتتوازن معه في شدته ،وشناعته ،حتى ليخيل للناظر أن القوم قد ظلموا ،وأنه قد بولغ في ظلمهم إلى أبعد حد ،فجاء قوله تعالى:{وأن الله ليس بظلام للعبيد} .ليدفع هذا الوهم الذي يقع في نفس من يرى هذا البلاء الذي حل بهؤلاء القوم الضالين ،وهو بلاء فوق بلاء ،فوق بلاء !! xliii .
وجاء في تفسير القاسمي ما يأتي:
إن قيل: ما سر التعبير بقوله:{ظلام} .بالمبالغة مع أن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته ،ونفي الكثرة لا ينفي أصله ،بل ربما يشعر بوجوده ،وبرجوع النفي للقيد ؟
وأجيب بأجوبة:
منها: أن{ظلاما} .للنسب كعطار .أي: لا ينسب إليه الظلم أصلا .
ومنها: أن العذاب من العظم ؛بحيث لولا الاستحقاق لكان المعذب بمثله ظلاما بليغ الظلم متفاقمه ؛فالمراد: تنزيه الله تعالى ،وهو جدير بالمبالغةxliv .