{ ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد}
ويؤيد القول الظاهر بأن هذا في عذاب الآخرة بقية قولهم لهم:{ ذلك بما قدمت أيديكم} أي ذلك العذاب الذي ذقتم وتذوقون بسبب ما كسبت أيديكم في الدنيا فقدمتموه إلى الآخرة من كفر وظلم ، وهو يشمل القول والعمل .وسواء كان من عمل الأيدي أو الأرجل أو الحواس أو تدبير العقلكل ذلك ينسب إلى عمل الأيدي توسعا وتجوزا ، وأصله أن أكثر الأعمال البدنية تزاول بها .
{ وأن الله ليس بظلام للعبيد} أي وبأن الله تعالى ليس بظلام للعبيد فيكون ذلك العذاب ظلما منه على تقدير عدم وقوع سببه من كسب أيديكم ، ولكن سبب ذلك منكم ثابت قطعا ، كما أن وقوع الظلم منه لعبيده منتف قطعا ، فتعين أن تكونوا أنتم الظالمين لأنفسكم قطعا ، فلوموها فلا لوم لكم إلا عليها .وفي الحديث القدسي الذي يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ){[1443]} الخ ، رواه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه .والحق أن للظلم حقيقة وأنه تعالى منزه عنه كتنزهه عن سار النقائص وما ينافي كمال الربوبية والألوهية ، لا لاستحالة وقوعه منه عقلا لأن معناه التصرف في ملك الغير ولا ملك لغيره تعالىكما قالت الأشعريةوهو خطأ في تعريف الظلم وخطأ في أصل المسألة بينا من قبل .
هذا التعبير بعينه{ وذوقوا عذاب الحريق}إلى{ للعبيد} قد تقدم في سورة آل عمران 3:18 و181 فيراجع تفسيره في ( ج3 ) ومنه بيان نكتة نفي المبالغة في الظلم مع أن الظلم قليله وكثيره لا يقع منه تعالى ، ويراجع في بيان هذا أيضا تفسير{ إن الله لا يظلم مثقال ذرة} [ النساء:40] ( في ج5 ) .
ونكتة هذا التكرار اللفظي بيان أن هذه الحجة الإلهية تقام في الآخرة على جميع الكفار المجرمين بهذا القول ، فليست خاصة بحال أناس أو قوم دون آخرين ، وما سبق في سورة آل عمران ورد في اليهود الذين عاندوا النبي صلى الله عليه وسلم وجحدوا نبوته كما آذوا النبيين قبله وكانوا يقتلونهم بغير حق على ما كان من بخلهم وقول بعضهم{ إن الله فقير ونحن أغنياء} ، ويتضح هذا المعنى بما بعده وهو: