وقد جاء في الآية التالية ما يؤكد عموم علمه ؛ لأن كل الوجود ملكه ، يتصرف فيه تصرف المالك فيما يملك ، فقال تعالى:{ إن الله له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير116} .
هذه الآية أثبتت ملك الله تعالى وسلطانه ، ولقد أراد البيضاوي أن يربط بين هذه الآية والأمر بالبراءة من المشركين والاستغفار لهم إذا ماتوا على الضلالة ، فقال رضي الله تعالى عنه:( لما منعهم من الاستغفار للمشركين ، ولو كانوا أولى قربى ) ، وتضمن ذلك وجوب التبرؤ منهم رأسا ، وبين لهم أن الله مالك كل موجود ومتولي أمره ، والغالب عليه ولا تتأنى لهم ولاية ، ولا نصرة إلا منه ليتوجهوا إليه ويتبرءوا مما عداه ، حتى لا يبقى لهم مقصد فيما يأتون ويذرون سواه .اه .
ونرى مع ما رآه البيضاوي أن الآية الكريمة تؤكد علم الله تعالى الذي ختمت به الآية السابقة ، فهذه الآية السامية الأخيرة ، تؤكد علم الله تعالى الشامل ، وتبين سببه ، وتبين سلطان الله تعالى المطلق ، الذي يدبر كل شيء فيه على مقتضى علمه وحكمته التي أقامت الوجود ، ورتبه ونمقه ، وأبدعه كله
{ بديع السماوات والأرض . . .117}( البقرة ) .
وإن ملكه لا يكون على الإنسان فقط ، بل هو على السموات بأبراجها والأرض بطبقاتها لا يخرج عن ملكه شيء في السماء ، يحيي ويميت ، وفي ذلك إشارة إلى الوصف الذي يحياه الحي كافرا ، أو مؤمنا ، والحال التي سيموت عليها مؤمنا أو كافرا ، وأن الاستغفار لمن لم يرج توبته ، ولا استغفار لمن مات ، وأغلق أبواب علمه في الدنيا .
{ ما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} الخطاب للمؤمنين معناه ، وما لكم أيها المؤمنون من ولي يواليكم وتحبونه إلا الله تعالى ، ولا نصير ينصركم سواه ، فلا تؤثروا عليه قرابة ، فلا ترأفوا بمن عصى الله تعالى ورسوله الذي أرسله رحمة للعالمين ، وإنه سبحانه أولى بخلقه يهدي من يشاء ويضل من يشاء .