قتال المشرك عبادة
قال تعالى:
أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ( 13 ) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ( 14 ) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( 15 )
هذه الآيات الكريمة تحريض على قتال المشركين الذين لم يوفوا بعهودهم ، وآذوا النبي وأصحابه وأرادوا إخراج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وبدءوهم بالقتال .
فقال تعالى:{ ألا تقاتلون} و ( ألا ) أداة تحريض ، وأصلها همزة الاستفهام دخلت على ( لا ) النافية ، والاستفهام إنكاري بمعنى نفي الواقع ، فالمعنى قاتلوا قوما كانت منهم هذه الأفعال . قال الزمخشري في معنى ( ألا ) دخلت الهمزة على ( لا تقاتلون ) تقريرا بانتفاء المقاتلة ، ومعناه:الحض عليها على سبيل المبالغة .
وقد بين الله تعالى أسباب الحض على القتال من أعمال المشركين الذين قاموا بها ، فذكر هذه الأعمال على أنها مبررة لوجوب القتال ، ووبخهم على السكوت مع هذه الأعمال ، وهي النكث في العهد فقال:{ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ} نقضوا عهودهم ، ويشير سبحانه إلى نقضهم معاهدة الحديبية ، فقد نقضوها بمعاونة بني بكر الذين كانوا في عهدهم مع خزاعة الذين كانوا في حلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان ذلك نقضا للعهد ، ونقض العهود مفسد للعلاقات ، وقاطع للمودة التي أنشأها العهد ، ومن ينقض العهد لا حرمة له بهذا العهد ، ومن يرضى بأن ينقض عهده في حليفه ، فهو يرضى بالذلة ولا يرضى بالمذلة عزيز كريم .
وهموا بإخراج الرسول فهم في مكة آذوا المسلمين وعذبوا الضعفاء ، وسخروا من الشرفاء ، حتى خرجوا مهاجرين إلى الحبشة مرتين ، وقد كان هذا الإيذاء المتوالي إخراجا للمؤمنين وقد قال تعالى:{. . . . . . . . . . . . يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم . . . . . . . . . . . . . . . . . . ( 1 )} ( الممتحنة ) ، وإن هذا الاستفزاز الشديد الذي لقيه النبي وأصحابه كان لإخراجهم من مكة ، كما قال تعالى:{ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجونك منها . . . . . . . . . . . . . ( 76 )} ( الإسراء ) . ثم كانت إرادة الخروج واضحة على أنها إحدى الخصال التي عرضوها في ندوتهم إذ يقول الله تعالى:{ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ( 30 )} ( الأنفال ) .
والحال الثالثة التي كانوا عليها وكانت ، أنهم الذين بدءوا أول مرة ، أي بدءوا بالمنابذة والمحاربة أول مرة من الاعتداء ، ولم يذكر أنهم بدءا بالقتال ؛ لأنهم بدءوا العداوة التي كان القتال من صورها . لقد ابتدءوا بالعداوة عندما جاءهم الرسول بالقرآن نور الله تعالى وبرهانه ، فبدل أن يجادلوه بالتي هي أحسن صدوه ، وآذوه ، وفتنوا المؤمنين في دينهم ، والفتنة أشد من القتل ، ثم أغروا به سفهاءهم ، وحالوا بينه وبين الدعوة ، وبين إقامة دولة إسلامية ، وبدءوا بالقتال في غزوة بدر الكبرى ، فبعد أن نجا عيرهم صمموا على القتال ، وان يجيئوا إلى بدر بالخمور والقيان ، والقتال .
ثم هم الذين بدءوا بالقتال ونقضوا صلح الحديبية بإعانتهم لبني بكر على خزاعة وقتلهم في البيت الحرام ، كان منهم كل هذا:نكث للعهد ، وإيذاء شديد في الماضي وفتنة ، وقتال ابتدئوه في عدة مرات ، فهل يسكتون عليهم ألا يقاتلونهم ، ثم حرضهم الله تعالى أبلغ تحريض ، فقال:{ أتخشونهم} أي أيمنعكم من قتالهم أنكم تخشونهم ، أي تخافونهم فزعين من قتالهم .{ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} والله أحق أن تخافوه وتفزعوا من غضبه ،{ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} أي إن كان الإيمان شانا من شئونكم ، وصفة من صفاتكم ، فإن المؤمن لا يخشى إلا الله ، ولا يقدر في أموره كلها إلا رضا الله والخوف من غضبه وعذابه .