{وَهَمُّواْ}: الهمّ: مقارنة الفعل بالعزم من غير إيقاع له .
{بَدَأوكُمْ}: البدء فعل الشيء أولاً .
{أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ} في ما قاموا به من أعمالٍ وأقوالٍ توحي بذلك{وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ} عندما كان في مكة ،فتآمروا فيما بينهم على إخراجه وقتله ،حتى اضطروه إلى الهجرة{وَهُم بَدَأوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} في معركة بدر التي كانت تمثل العدوان المسلّح الأوّل على جماعة المسلمين ،مما يكشف عن الجذور المتأصلة لموقفهم العدوانيّ الحاضر الذي لم ينطلق من حالةٍ طارئةٍ .
الله أحق بالخشية
{أَتَخْشَوْنَهُمْ} في ما يمثلون من قوّةٍ وسلطةٍ ومالٍ ؟وكيف يخشى المؤمنون مثل هؤلاء الذين لا ترتكز قوّتهم على قاعدةٍ ثابتةٍ في الداخل ،بل تتحرك من خلال الأدوات التي يملكونها والظروف الطارئة التي ينتهزونها ؟إنها القوّة الضعيفة التي مهما تعاظمت ،فإنها لا تثبت أمام تحديات القوّة المتحركة من موقع الإيمان الصلب الثابت الذي يستمد قوته من الله .وكيف تخشونهم أيُّها المؤمنون ،في ما أرادكم الله أن تواجهوه من جهادهم وقتالهم من أجل الإسلام في مسيرته الظافرة التي تعمل من أجل أن يكون الدين كله لله ؟وكيف تتراجعون عن ذلك أو تفكرون بالتراجع ،فإذا كان هناك خشيةٌ منهم وممّا لديهم من القوّة ،فهناك خشيةٌ من الله ،لما ينتظركم من عقابه لو خالفتم تعاليمه وتمرّدتم على أمره ونهيه ؟فوازنوا أمركم بين موقفكم منهم وموقفكم من الله ،وستجدون أن الموازنة تقف بكم عند حدود الله{فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ} لأنه مالك كل شيءٍ ،وبيده أمر الدنيا والآخرة ،في ما تفرضه عقيدة الإيمان وروحية العبوديّة له ،مما يجب أن تواجهوه من مواقف الإيمان{إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ} لأن الإيمان ليس كلمةً تقال ،بل هو موقفٌ للتضحية والإخلاص والعطاء .
وربما يخطر في البال ،أن مواجهة الله لهم بالخشية منهم لا تلتقي بالواقع الذي كان يعيش فيه المسلمون القوّة بعد فتح مكة ،بينما كان المشركون يعيشون فيه الضعف كل الضعف ،فكيف نفسّر ذلك ؟.وقد نجيب على ذلك: أن القضية قد تكون واردةً في معرض الإثارة التي تدفعهم إلى لونٍ من ألوان الحماس الإيماني المنطلق من حالة الشعور بالقوّة ،كعنصر من عناصر تثبيت الموقف في نفوسهم .وربما كان هناك نوعٌ من الخوف ،باعتبار أن المسألة في موضوع البراءة بدت لهم حاسمةً شاملةً لا تقتصر على فريقٍ دون فريق ،بل تشمل المشركين كلهم في موقف مواجهةٍ واسعة ،ما قد يوحي بالقلق لبعض المسلمين الذين يلتفتون إلى سعة التواجد البشري للمشركين في الجزيرة العربية ،الأمر الذي يوحي إليهم بالخطر الكبير .