{نَّكَثُواْ}: نقضوا .
{أَيْمَانَهُم}: جمع يمين وهو القسم .
{وَطَعَنُواْ}: الطعن هو الضرب بالرمح وبالقرن وما يجري مجراهما ،واستعير للوقيعة .
قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم
ويستمر الموقف في مواجهة القضية بطريقة الحسم ،فهناك خطرٌ مباشرٌ يواجه الواقع الإسلامي آنذاك ،من خلال هؤلاء الذين ينقضون العهد ،ويتحدَّون الإسلام في فكره وشريعته ،ما يخلق للمسيرة الإسلامية الكثير من حالة الإرباك والفوضى والقلق ،ولذلك كانت التعليمات واضحة ،بردّ الاعتداء الصادر من هؤلاء ،وذلك بإعلان الحرب عليهم من جديد ،واعتبار المعاهدات لاغيةً بسبب تصرفاتهم السلبية ضد الإسلام والمسلمين ،والإيحاء بأن القضية لا تحتمل المهادنة والتأخير ،لأن الخلفيات الكامنة وراء تصرفاتهم ،تمثل الخطر الكبير على المستقبل ،من جرّاء الروحيّة الحاقدة التي تتحرك في داخلهم في الحاضر ،كما كانت في تاريخهم القريب ،في الماضي ،وهذا هو ما حاولت الآيات أن تثيره في وجه هذه التصرفات ،في أسلوب يعتمد على توعية المسلمين ،وتوجيههم نحو التأكيد على دراسة القضايا من جميع وجوهها ،لا من وجهٍ واحد .
قتال أئمة الكفر
{وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ} ونقضوا عهودهم ومواثيقهم التي ألزموا بها أنفسهم{وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ} وذلك بالتهجّم عليه بالسبّ والشتم والكلمات غير المسؤولة ،في ما يمثّله ذلك من انحرافٍ عن خط الالتزام بالعهد القائم على احترام العقيدة الإسلامية ومراعاة مشاعر المسلمين .
وقد ينبغي لنا أن نفرّق في هذا المجال بين الطعن في الدين الذي يمثل حالةً عدوانيّة ،وبين النقد الموضوعي الذي يمثل حالةً فكرية ،فإن الإسلام يشجب الأول ويعتبره مظهراً من مظاهر نقض العهد ولوناً من ألوان العدوان ،بينما يرحب بالثاني ويدعو الآخرين إليه ،من خلال دعوته إلى حركة الحوار الإيجابي بين الفكر الإسلامي والفكر المضاد على أساس الأجواء الفكرية الهادئة .
{فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} وهم قادته الذين يقودون مسيرته في المجتمع ويعملون على تدعيم قواعده .وربّما كان في هذا التأكيد عليهم ،إشارةٌ إلى أنهم هُمُ المسؤولون عن كل هذا العدوان الذي يمارسه الناس العاديّون من المشركين ،{إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ} لأنهم لا يرتكزون على قاعدةٍ إيمانيّةٍ أو فكريّةٍ لتمنعهم من النقض للعهد ،بل ينطلقونفي ذلكمن الظروف الطارئة الضاغطة ،ما يجعل للعوامل التي تخفّف من حالة الضغط ،أثراً كبيراً في تصرفاتهم السلبيّة المنحرفة .وقد نستوحي من ذلك أمرين:
الأول: أن مثل هؤلاء لا يبعثون على الثقة في ما يلتزمون به من عهودٍ ومواثيق ،لأنهم يفقدون الأساس الداخلي الذي يدفعهم إلى الاستمرار في الالتزام .
الثاني: أن من الضروري مواصلة الضغط عليهم لإخراجهم من واقعهم المنحرف ،لأن ذلك هو السبيل الواقعي للانضباط في علاقاتهم مع الآخرين .وبذلك كان إعلان الحرب عليهم المتمثل بالأمر بقتالهم ،أسلوب ضغطٍ نفسيٍّ ،ليدفعهم ذلك إلى التفكير بالنتائج الصعبة التي تنتظرهم من خلال الحرب{لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} ويتراجعون عن اللعب والكيد والتآمر على الإسلام والمسلمين ،ما يجعل من الموقف حالةً وقائيّةً رادعةً ،في ما تفرضه حسابات الواقع الموضوعيّ في الساحة .
الحثّ على قتال الناكثين
وهنا يلتفت الخطاب إلى المسلمين في عملية توعيةٍ للطبيعة العدوانية المتمثلة في شخصية هؤلاء المشركين من أئمة الكفر ،وذلك بشرحٍ تفصيليٍّ للواقع الحاضر الذي يعيشونه والتاريخ الماضي الذي عاشوه ،لئلا يشعر المسلمون بعقدة الذنب في إلغاء المعاهدات معهم وإعلان البراءة منهم ،مما قد يتوهمونه نقضاً للعهد من جانبهم ،لأنهم قد ينظرون إلى الموضوع من خلال الجانب المباشر الصريح للنقض ،ولا ينظرون إلى الجوانب الخفيّة غير المباشرة منه ،ليصلوا أخيراً إلى النتيجة الواقعية ،وهي أن هؤلاء القوم هُم الذين ابتعدوا عن خط العهد ،ما جعل البراءة منهم أمراً طبيعياً تقتضيه طبيعة الساحة ،في ما تفرضه من الحماية للمسيرة الإسلامية .