شروط الدخول في الإيمان
أمّا إذا تغيّرت الحال وابتعدوا عن ذلك ،وشعروا بالإيمان ،فكراً يتحرك في ممارساتهم ،وهدفاً ينطلق في أهدافهم ،فإن الموقف يتغيّر ،وسيكونون تماماً كالمؤمنين المخلصين الملتزمين ،{فَإِن تَابُواْ} عن الشرك والضلال{وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ} التي تمثل صدق التوبة وعمق الإيمان وصفاء الروحيّة الخاشعة أمام الله وحركة العبودية له ،المنطلقة مع جوّ الحرية أمام الآخرين ،{وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ} التي توحي بروحية الإنسان المؤمن الذي يتحسس آلام الحرمان في حياة الناس ،فيعبد الله بالعطاء الذي يقدمه إليهم ،في ما يمثله العطاء من تزكيةٍ للنفس ،ومن إخلاصٍ لله ،بالإخلاص لعباده المستضعفين ،وتلك هي علامة الإيمان الذي لا يتحرك في الشعور فقط ليكون مجرد خاطرةٍ في الفكر أو نبضةٍ في القلب ،بل يتسع ويمتد ليكون خطاً في الحياة ،وممارسةً في العمل .وفي هذا دلالة على أن الممارسة شرط في دخول المجتمع المؤمن الذي يتقبل الإنسان من خلال عمله المتحرك من وحي إيمانه ،فإذا تحقق ذلك لهم ،{فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} لأنهم يعتقدون ما تعتقدونه ،ويعملون ما تعملونه ،ويتحركون في الأهداف التي تتحركون إليها .
وتلك هي خصائص الأخوّة الدينيّة ،التي هي أعمق أنواع الأخوّة ،لأن فيها يتآخى الفكر والشعور ،وتتصل خطوات الفكر بخطوات العمل ،ما يجعل من المسألة قضيّةً تشمل الكيان الإنساني كلّه .وذلك هو الخط الذي يريد الله للإنسانية أن تسير عليه ،وهو المنهج الذي يريد لها أن تنهجه في كل مجالاتها الروحية والعملية في ما يفصِّله من آياته التي توضّح لهم السبيل ،حتى لا يبقى هناك مجالٌ لخطأٍ في اجتهاد ،أو اشتباه في رؤية{وَنُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} في ما توحي به الروح العلمية من وعيٍ وتفكير وتدبّر ،يتحسس فيه الإنسان مسؤولية المعرفة من خلال تحسسه لمسؤوليات الحياة .