قوله:{ وحفظناها من كل شيطان رجيم} فهو إدماج للتعليم في أثناء الاستدلال .وفيه التنويه بعصمة الوحي من أن يتطرقه الزيادة والنقص ،بأن العوالم التي يصدر منها الوحي وينتقل فيها محفوظة من العناصر الخبيثة .فهو يرتبط بقوله:{ وإنا له لحافظون}[ سورة الحجر: 9] .
وكانوا يقولون: محمد كاهن ؛ولذلك قال الوليد بن المغيرة لما حاورهم فيما أعدوا من الاعتذار لوفود العرب في موسم الحجّ إذا سألوهم عن هذا الرجل الذي ادّعى النبوءة .وقد عرضوا عليه أن يقولوا هو كاهن ،فكان من كلام الوليد أن قال ..ولا والله ما هو بكاهن لقد رأينا الكهان فما هو بزمزة الكاهن ولا سجعه ،قال تعالى:{ ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون}[ سورة الحاقة: 42] .وكان الكهان يزعمون أن لهم شياطين تأتيهم بخبر السماء ،وهم كاذبون ويتفاوتون في الكذب .
والمراد بالحفظ من الشياطين الحفظ من استقرارها وتمكنها من السماوات .والشيطان تقدم في سورة البقرة .
والرجيم: المحقر ؛لأن العرب كانوا إذا احتقروا أحداً حصبوه بالحصباء ،كقوله تعالى:{ قال فاخرج منها فإنك رجيم}[ سورة الحجر: 34] ،أي ذميم محقر .
والرّجام بضم الراء الحجارة .قيل وهي أصل الاشتقاق .ويحتمل العكس .وقد كان العرب يرجمون قبر أبي رِغال الثقفي الذي كان دليل جيش الحبشة إلى مكة .
قال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه *** كما تَرمون قبر أبي رِغال
والرجم عادة قديمة حكاها القرآن عن قوم نوح{ قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين}[ سورة الشعراء: 116] .وعن أبي إبراهيم{ لئن لم تنته لأرجمنك}[ سورة مريم: 46] .وقال قوم شعيب:{ ولولا رهطك لرجمناك}[ سورة هود: 91] .
وليس المراد به الرجم المذكور عقبه في قوله:{ فأتبعه شهاب مبين} لأن الاستثناء يمنع من ذلك في قوله:{ إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين} .