لما ذُكر في الآية السابقة السجود القسري ذُكر بعده هنا سجود آخر بعضه اختيار وفي بعضه شبه اختيار .
وتقديم المجرور على فعله مؤذن بالحصْر ،أي سجد لله لا لغيره ما في السماوات وما في الأرض ،وهو تعريض بالمشركين إذ يسجدون للأصنام .
وأوثرت{ ما} الموصولة دون ( من ) تغليباً لكثرة غير العقلاء .
و{ من دابة} بيان ل{ ما في الأرض} ،إذ الدابة ما يدبّ على الأرض غير الإنسان .
ومعنى سجود الدواب لله أن الله جعل في تفكيرها الإلهامي التذاذها بوجودها وبما هي فيه من المرح والأكل والشرب ،وتطلب الدفع عن نفسها من المتغلّب ومن العوارض بالمدافعة أو بالتوقّي ،ونحو ذلك من الملائمات .فحالها بذلك كحال شاكر تتيسر تلك الملائمات لها ،وإنما تيسيرها لها ممن فطرها .وقد تصحب أحوال تنعّمها حركاتٌ تشبه إيماء الشاكر المقارب للسجود ،ولعلّ من حركاتها ما لا يشعر به الناس لخفائه وجهلهم بأوقاته ،وإطلاقُ السجود على هذا مجاز .
ويشمل{ ما في السموات} مخلوقاتتٍ غير الملائكة ،مثل الأرواح ،أو يراد بالسماوات الأجواء فيراد بما فيها الطيُور والفراش .
وفي ذكر أشرف المخلوقات وأقلّها تعريض بذمّ من نزل من البشر عن مرتبة الدواب في كفران الخالق ،وبمدح من شابَه من البشر حال الملائكة .
وفي جعل الدوابّ والملائكة معمولين ل{ يسجد} استعمال للفظ في حقيقته ومجازه .
ووصف الملائكة بأنهم{ لا يستكبرون} تعريض ببعد المشركين عن أوج تلك المرتبة الملكية .والجملة حال من{ الملائكة} .