{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مِن دَآبَّةٍ} ويشمل السجود كل المخلوقات الحية التي تدب على الأرض من إنسٍ وجنٍ وحيوانٍ ،في حركتها المحكومة للسنن الإلهية ،ذلك أن التذلل والخضوع التكويني أو الإرادي لله ،يحمل معنى السجود وحقيقته ،وإن لم يتمثل فيه الشكل المادي للسجود .
{وَالْملائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} ،أفرد الملائكة عما يدب في السماوات والأرض ،لأن لها وجوداً متميزاً في طبيعته وفي حركته وفي الآفاق الروحية التي ينطلق فيها ،ولكن ذلك الوجود المميز لا يدفعهم إلى الشعور بضخامة الذات بالمستوى الذي ينسيهم موقعهم من الله ،وحاجتهم المطلقة إليه في كل شيء ،كما يفعل الغافلون من عباد الله الذين يستكبرون عن عبادته لاستغراقهم في ذواتهم ،وغفلتهم عن كل شيء أو حقيقة تحكم الوجود خارجها ،الأمر الذي يقودهم إلى نسيان الله والاستكبار في شعور مرضيّ بالعلو والرفعة والكبرياء .
إن الملائكة الذين يعيشون المعرفة لله بمستوى لا يحتجب عنهم فيه أيّ جانبٍ من جوانب عظمته ،كما يعيشون المعرفة لذواتهم ولموقعهم من الله ،وحاجتهم إليه في كل شيء ،وحاجة كل الموجودات في كل الأمور إليه .إن تلك المعرفة التي قد تتزايد وتتكامل وتنمو لديهم كلما ازدادوا اقتراباً من الله بالعبادة ،وازدادوا اقتراباً من حقيقتهم بالتأمل ،إن تلك المعرفة تزيدهم شعوراً بالانسحاق والتضاؤل والذوبان أمام عظمة الله المطلقة ،وتمنعهم عن أيّ شعور بالكبرياء ،فضلاً عن الشعور بالاستكبار أمامه ،وتدفعهم إلى أن يجسدوا ذلك في طاعتهم له وخوفهم منه