إنما أتبع الاستدلال على انتفاء الشريك بقوله{ علام الغيب والشهادة} المراد به عموم العلم وإحاطته بكل شيء كما أفادته لام التعريف في{ الغيب والشهادة} من الاستغراق الحقيقي ،أي عالم كل مغيب وكل ظاهر ،لدفع توهم أن يقال: إن استقلال كل إله بما خلق قد لا يفضي إلى علو بعض الآلهة على بعض ،لجواز أن لا يعلم أحد من الآلهة بمقدار تفاوت ملكوته على ملكوت الآخر فلا يحصل علو بعضهم على بعض لاشتغال كل إله بملكوته .ووجه الدفع أن الإله إذا جاز أن يكون غير خالق لطائفة من المخلوقات التي خلقها غيره لئلا تتداخل القُدَر في مقدورات واحدة لا يجوز أن يكون غير عالم بما خلقه غيره لأن صفات العلم لا تتداخل ،فإذا علم أحد الآلهة مقدار ملكوت شركائه فالعالم بأشدية ملكوته يعلو على من هو دونه في الملكوت .فظهر أن قوله{ عالم الغيب والشهادة} من تمام الاستدال على انتفاء الشركاء ،ولذلك فرع عنه بالفاء قوله{ فتعالى عما يشركون} .
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر وخلف{ عالمُ الغيب} برفع{ عالم} على أنه خبر مبتدأ محذوف وهو من الحذف الشائع في الاستعمال إذا أريد الإخبار عن شيء بعد أن أجريت عليه أخبار أو صفات .
وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وحفص عن عاصم ويعقوب بجر{ عالم} على الوصف لاسم الجلالة في قوله{ سبحان الله عما يصفون} .
و ( ما ) مصدرية .والمعنى فتعالى عن إشراكهم ،أي هو أعظم من أن يكون موصوفاً بكونه مشاركاً في وصفه العظيم ،أي هو منزه عن ذلك .