أما قولهم:{ ولا صديق حميم} فهو تتميم أثارهُ ما يلقونه من سوء المعاملة من كل من يمرون به أو يتصلون ،ومن الحرمان الذي يعاملهم كل من يسألونه الرفق بهم حتى علموا أن جميع الخلق تتبرأ منهم كما قال تعالى:{ ورأوا العذاب وتقطّعت بهم الأسباب} فإن الصديق هو الذي يواسيك أو يسليك أو يتوجع ويومئذ حقّت كلمة الله{ الأخِلاّء يومئذ بعضهُم لبعض عدوّ إلا المتقين}[ الزخرف: 67] وتقدم الكلام على الصديق في قوله تعالى:{ أو صديقكم} في سورة النور ( 61 ) .
والحميم: القريب ،فعيل من حَمَّ ( بفتح الحاء ) إذا دنا وقرُب فهو أخص من الصديق .
والمراد نفي جنس الشفيع وجنس الصديق لوقوع الاسمين في سياق النفي المؤكَّد ب{ من} الزائدة ،وفي ذلك السياق يستوي المفرد والجمع في الدلالة على الجنس .وإنما خولف بين اسمي هذين الجنسين في حكاية كلامهم إذ جيء ب{ شافعين} جمعاً ،وب{ صديق} مفرداً ،لأنهم أرادوا بالشافعين الآلهة الباطلة وكانوا يعهدونهم عديدين فجرى على كلامهم ما هو مرتسم في تصورهم .
وأما الصديق فإنه مفروض جنسُه دون عدد أفراده إذ لم يَعنُوا عدداً معيّناً فبقي على أصل نفي الجنس ،وعلى الأصل في الألفاظ إذْ لم يكن داع لغير الإفراد .والذي يبدو لي أنه أوثر جمع{ شافعين} لأنه أنسب بصورة ما في أذهانهم كما تقدم .وأما إفراد{ صديق} فلأنه أريد أن يُجرى عليه وصف{ حميم} فلو جيء بالموصوف جمعاً لاقتضى جمع وصفه ،وجمعُ{ حميم} فيه ثقل لا يناسب منتهى الفصاحة ولا يليق بصورة الفاصلة مع ما حصل في ذلك من التفنن الذي هو من مقاصد البلغاء .