قوله:{ وإذا بطشتم بطشتم جبارين} أعقب به موعظتهم على اللهو واللعب والحرص على الدنيا بأن وعظهم على الشدة على الخلق في العقوبة ،وهذا من عدم التوازن في العقول فهم يبنون العلامات لإرشاد السابلة ويصطنعون المصانع لإغاثة العطاش فكيف يُلاقي هذا التفكير تفكيراً بالإفراط في الشدة على الناس في البطش بهم ،أي عقوبتهم .
والبطش: الضرب عند الغضب بسوط أو سيف ،وتقدم في قوله:{ أم لهم أيدٍ يبطِشون بها} في آخر الأعراف ( 195 ) .
و{ جبارين} حال من ضمير{ بطشتم} وهو جمع جبّار ،والجبار: الشديد في غير الحق ،فالمعنى: إذا بطشتم كان بطشكم في حالة التجبر ،أي الإفراط في الأذى وهو ظلم ،قال تعالى:{ إن تريد إلاّ أن تكون جبّاراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين}[ القصص: 19] .وشأن العقاب أن يكون له حَد مناسب للذنب المعاقب عليه بلا إفراط ولا تفريط ،فالإفراط في البطش استخفاف بحقوق الخلق .
وفي « صحيح مسلم » عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"صنفان من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ،ونساء كاسيات عاريات .... "الحديث .ووقع فعل{ بطشتم} الثاني جواباً ل{ إذا} وهو مرادف لفعل شرطها ،لحصول الاختلاف بين فعل الشرط وفعل الجواب بالعموم والخصوص كما تقدم في قوله تعالى:{ وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً} في سورة الفرقان ( 72 ) وإنما يقصد مثل هذا النظم لإفادة الاهتمام بالفعل إذ يحصل من تكريره تأكيد مدلوله .