عطف على جملة:{ وإنه لتنزيل ربّ العالمين}[ الشعراء: 192] وما بينهما اعتراض استدعاه تناسب المعاني وأخذُ بعضها بحُجز بعض تفنناً في الغرض .وهذا رد على قولهم في النبي صلى الله عليه وسلم هو كاهن قال تعالى:{ فذكّر فما أنت بنعمت ربّك بكاهن ولا مجنون}[ الطور: 29] ،وزعمهم أن الذي يأتيه شيطان ؛فقد قالت العوراء بنت حرب امرأةُ أبي لهب لما تخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيام الليل ليلتين لِمرض: أرجو أن يكون شيطانك قد تركك .ولذلك كان من جملة ما راجعهم به الوليد بن المغيرة حين شاوره المشركون فيما يصفون النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: نقول: كلامه كلام كاهن ،فقال: والله ما هو بزمزمته .وكلام الكهان في مزاعمهم من إلقاء الجن إليهم وإنما هي خواطر نفوسهم ينسبونها إلى شياطينهم المزعومة .نُفي عن القرآن أن يكون من ذلك القبيل ،أي الكهان لا يجيش في نفوسهم كلام مثل القرآن فما كان لشياطين الكهان أن يفيضوا على نفوس أوليائهم مثلَ هذا القرآن .فالكهانة من كذب الكهان وتمويههم ،وأخبار الكهان كلها أقاصيص وسَّعها الناقلون .
فالتعريف في{ السمع} للعهد وهو ما يعتقده العرب من أن الشياطين تسترق السمع ،أي تتحيّل على الاتصال بعلم ما يجري في الملإ الأعلى .ذلك أن الكهان كانوا يزعمون أن الجن تأتيهم بأخبار ما يقدّر في الملأ الأعلى مما سيظهر حدوثه في العالم الأرضي ،فلذلك نُفي هنا تنزُّلُ الشياطين بكلام القرآن بناء على أن المشركين يزعمون أن الشياطين تنزل من السماء بأخبار ما سيكون .وبيان ذلك تقدم في سورة الحجر ويأتي في سورة الصافات .