طويت أخبار كثيرة دل عليها ما بين الخبرين المذكورين من اقتضاء عدة أحداث ،إذ التقدير: فذهب الهدهد إلى سبأ فرمى بالكتاب فأبلغ الكتاب إلى الملكة وهي في مجلس ملكها فقرأته ،قالت: يأيها الملأ إلخ .
وجملة:{ قالت} مستأنفة استئنافاً بيانياً لأن غرابة قصة إلقاء الكتاب إليها يثير سؤالاً عن شأنها حين بلَغها الكتاب .
و{ الملأ}: الجماعة من أشراف القوم وهم أهل مجلسها .وظاهر قولها:{ ألقي إليّ} أن الكتاب سُلّم إليها دون حُضور أهل مجلسها .وتقدم غير مرة وذلك أن يكون نظام بَلاطها أن تسلم الرسائل إليها رأساً .والإلقاء تقدم آنفاً .
ووصف الكتاب بالكريم ينصرف إلى نفاسته في جنسه كما تقدم عند قوله تعالى:{ لهم مغفِرَة ورزق كريم} في سورة الأنفال ( 74 )؛بأن كان نفيسَ الصحيفة نفيسَ التخطيط بهيجَ الشكل مستوفياً كل ما جرت عادة أمثالهم بالتأنق فيه .ومن ذلك أن يكون مختوماً ،وقد قيل: كرم الكتاب ختمه ،ليكون ما في ضمنه خاصاً باطلاع من أُرسل إليه وهو يُطلع عليه من يشاء ويكتمه عمن يشاء .قال ابن العربي: « الوصف بالكرم في الكتاب غاية الوصف ؛ألا ترى إلى قوله تعالى:{ إنه لقرآن كريم}[ الواقعة: 77] وأهل الزمان يصفون الكِتاب بالخَطير ،والأثير ،والمبرور ،فإن كان لملك قالوا: العزيز ،وأسقطوا الكريم غفلة وهو أفضلها خصلة » .
وأما ما يشتمل عليه الكتاب من المعاني فلم يكن محموداً عندها لأنها قالت:{ إن الملوك إذا دَخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة}[ النمل: 34] .