حذف ما لقيه موسى من شعيب من الجزاء بإضافته وإطعامه ،وانتقل منه إلى عَرض إحدى المرأتين على أبيها أن يستأجره للعمل في ماشيته إذ لم يكن لهم ببيتهم رجل يقوم بذلك وقد كبر أبوهما فلما رأت أمانته وورعه رأت أنه خير من يستأجر للعمل عندهم لقوته على العمل وأمانته .
والتاء في{ أبت} عوض عن ياء المتكلم في النداء خاصة وهي يجوز كسرها وبه قرأ الجمهور .ويجوز فتحها وبه قرأ ابن عامر وأبو جعفر .
وجملة{ إن خير من استأجرت القوي الأمين} علة للإشارة عليه باستئجاره ،أي لأن مثله من يستأجر .وجاءت بكلمة جامعة مرسلة مثلاً لما فيها من العموم ومطابقة الحقيقة بدون تخلف ،فالتعريف باللام في{ القوي الأمين} للجنس مراد به العموم .والخطاب في{ من استأجرت} موجه إلى شعيب ،وصالح لأن يعم كل من يصلح للخطاب لتتم صلاحية هذا الكلام لأن يرسل مثلاً .فالتقدير: من استأجر المستأجر .و{ من} موصولة في معنى المعرف بلام الجنس إذ لا يراد بالصلة هنا وصف خاص بمعين .
وجعل{ خير من استأجرت} مسنداً إليه بجعله اسماً لأن جعل{ القوي الأمين} خبراً مع صحة جعل{ القوي الأمين} هو المسند إليه فإنهما متساويان في المعرفة من حيث إن المراد بالتعريف في الموصول المضاف إليه{ خير} ،وفي المعرّف باللام هنا العموم في كليهما ،فأوثر بالتقديم في جزأي الجملة ما هو أهم وأولى بالعناية وهو خير أجير ،لأن الجملة سيقت مساق التعليل لجملة{ استأجره} فوصف الأجير أهم في مقام تعليلها ونفسُ السامع أشد ترقباً لحاله .
ومجيء هذا العموم عقب الحديث عن شخص معين يؤذن بأن المتحدث عنه ممن يشمله ذلك العموم فكان ذلك مصادفاً المحز من البلاغة إذ صار إثبات الأمانة والقوة لهذا المتحدث عنه إثباتاً للحكم بدليل .فتقدير معنى الكلام: استأجره فهو قوي أمين وإن خير من استأجر مستأجر القوي الأمين .فكانت الجملة مشتملة على خصوصية تقديم الأهم وعلى إيجاز الحذف وعلى المذهب الكلامي ،وبذلك استوفت غاية مقتضى الحال فكانت بالغة حد الإعجاز .