-{قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين} .
أرسل الشيخ إحدى ابنتيه لدعوة موسى إلى الضيافة ،فلما حضر وقصّ عليه قصته ،طمأنه وهدأه ورحب به ،فقالت إحداهما [ والراجح أنها هي التي ذهبت إلى موسى لدعوته]:{يا أبت استأجره} على رعي الغنم ،فإنه يجمع أفضل الخصال ،وهي: القوة والأمانة .
فالقوة: تعين الإنسان على أداء العمل كاملا ،وتشمل الخبرة والمعرفة .
والأمانة: تشمل المحافظة والعفة والاستقامة وعدم الخيانة ،وهي شروط لازمة لمن يقوم بالعمل ،أو يلي شؤون الدولة ،بيد أنه في بعض الأعمال كالحرب نقدم القوة ،وفي بعض الأعمال كالاقتصاد والمالية وسياسة المال نقدم الأمانة .
ومن كلام عمر رضي الله عنه: إلى الله أشكو قوة الفاجر وعجز الثقة .
أحيانا يكون الفاجر قويا شجاعا ،ويكون الثقة الأمين ضعيفا أو مترددا ،فإذا اجتمعا في شخص كان أهلا لولاية العمل المناسب له ،وفي السياسة الشرعية نجد أن من صفات الحاكم العادل الحكم بالعدل ،والشورى ،واختيار الأمناء الثقات ،لأنه لا يستطيع أن يتولى جميع شؤون الدولة بنفسه ،فلا بد له من مساعدين ،فينبغي أن يتوخى فيهم الكفاءة ،وتكون بالقوة والأمانة ،فلا يولّي شخصا لقرابته ،أو لمصلحة تعود على الحاكم .
وفي الحديث النبوي الشريف: ( من ولّى رجلا شيئا من أمر المسلمين ،وهو يعلم أن في المسلمين من هو أكفأ منه ،فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين )viii .
غيرة محمودة
روى أن شعيبا قال لابنته: وما أعلمك بقوته وأمانته ؟فقالت: رفع الصخرة من على البئر ولا يطيق حملها إلا عشرة رجال ،وإني لما جئت معه تقدمت أمامه ،فقال لي: كوني من ورائي ودُلّيني على الطريق ،ولما أتيته خفض بصره فلم ينظر إليّ ،فرغب شعيب في مصاهرته وتزويجه بإحدى ابنتيه .
روى ابن كثير ،والزمخشري ،عن ابن مسعود ،قال: أفرس الناس ثلاثة: بنت شعيب حين قالت:
{إن خير من استأجرت القوي الأمين} وصاحب يوسف حين قال:{أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا} [ يوسف: 21] وأبو بكر في عمر ،أي: في اختياره وترشيحه ليكون خليفة بعده .