أي ظنوا أنهم لا يرجعون إلينا فعجلنا بهلاكهم فإن ذلك من الرجوع إلى الله لأنه رجوع إلى حكمه وعقابه ،ويعقبه رجوع أرواحهم إلى عقابه ،فلهذا فرع على ظنهم ذلك الإعلام بأنه أخذ وجنوده .وجعل هذا التفريع كالاعتراض بين حكاية أحوالهم .
وجعل في « الكشاف » هذا من الكلام الفخم لدلالته على عظمة شأن الله إذ كان قوله{ فنبذناهم في اليم} يتضمن استعارة مكنية: شبه هو وجنوده بحصيات أخذهن في كفه فطرحهن في البحر .وإذا حمل الأخذ على حقيقته كان فيه استعارة مكنية أيضاً لأنه يستتبع تشبيهاً بقبضة تؤخذ باليد كقوله تعالى{ وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة}[ الحاقة: 14] وقوله{ والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة}[ الزمر: 67] .ويجوز أن يجعل جميع ذلك استعارة تمثيلية كما لا يخفى .
وقوله{ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} اعتبار بسوء عاقبتهم لأجل ظلمهم أنفسهم بالكفر وظلمهم الرسول بالاستكبار عن سماع دعوته .وهذا موضع العبرة من سوق هذه القصة ليعتبر بها المشركون فيقيسوا حال دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بحال دعوة موسى عليه السلام ويقيسوا حالهم بحال فرعون وقومه ،فيوقنوا بأن ما أصاب فرعون وقومه من عقاب سيصيبهم لا محالة .وهذا من جملة محل العبرة بهذا الجزء من القصة ابتداء من قوله تعالى{ فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات}[ القصص: 36] ليعتبر الناس بأن شأن أهل الضلالة واحد فإنهم يتلقون دعاة الخير بالإعراض والاستكبار واختلاق المعاذير فكما قال فرعون وقومه{ ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين}[ القصص: 36] قالت قريش{ بل افتراه بل هو شاعر}[ الأنبياء: 5] ،وقالوا{ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة}[ ص: 7] أي التي أدركناها .
وكما طمع فرعون أن يبلغ إلى الله استكباراً منه في الأرض سأل المشركون{ لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً}[ الفرقان: 21] وظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله كما ظن أولئك فيوشك أن يصيبهم من الاستئصال ما أصاب أولئك .