ويتعلق:{ يوم يغشاهم العذاب} ب ( محيطة ) ،أي تحيط بهم يوم يغشاهم العذاب .وفي قوله:{ يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم} تصوير للإحاطة .والغشيان: التغطية والحجب .
وقوله:{ من فوقهم} بيان للغشيان لتصويره تفظيعاً لحاله كقوله:{ ولا طائر يطير بجناحيه}[ الأنعام: 38] وتأكيداً لمعنى الغشيان لرفع احتمال المجاز ،فهو في موضع الحال من{ العذاب} وهي حال مؤكدة .
وقوله:{ ومِن تحت أرجلهم} احتراس عما قد يُوهمه الغشيان من الفوقية خاصة ،أي تصيبهم نار من تحتهم تتوهج إليهم وهم فوقها ،ولما كان معطوفاً على الحال بالواو وكان غير صالح لأن يكون قيداً ل{ يغشاهم} لأن الغشيان هو التغطية فتقتضي العلو تعين تقدير فعل يتعلق به{ من تحت أرجلهم} ،وهو أن يقدر عامل محذوف .وقد عدّ هذا العمل من خصائص الواو في العطف أن تعطف عاملاً محذوفاً دل عليه معموله كقول عبد الله بن الزبعرى:
يَا ليتَ زَوجككِ قد غدا *** متقلداً سيفاً ورمحا
يريد: ومُمسكاً رمحاً لأن الرمح لا يتقلد يصلح أن يكون مفعولاً معه وأبو عبيدة والأصمعي والجرمي واليزيدي ،ومن وافقهم يجعلون هذا من قبيل تضمين الفعل معنى فعل صالح للتعلق بالمذكور فيقدر في هذه الآية تضمين فعل{ يغشاهم} معنى ( يصيبهم ) و ( يأخذهم ) .والمقصود من هذا الكناية عن أن العذاب محيط بهم ،فلذلك لم يذكر الجانبان الأيمن والأيسر لأن الغرض من الكناية قد حصل .والمقام مقام إيجاز لأنه مقام غضب وتهديد بخلاف قوله تعالى:{ ثم لآتِيَنَّهم من بين أيديهم ومن خلفِهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم}[ الأعراف: 17] لأنه حكاية لإلحاح الشيطان في الوسوسة .
وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي:{ ويقول} بالياء التحتية والضمير عائد إلى معلوم من المقام .فالتقدير: ويقول الله .وعدل عن ضمير التكلم على خلاف مقتضى الظاهر على طريقة الالتفات على رأي كثير من أيمة البلاغة ،أو يقدر: ويقول الملك الموكل بجهنم ،أو التقدير: ويقول العذاب ،بأن يجعل الله للنار أصواتاً كأنها قول القائل:{ ذوقوا} .وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بالنون وهي نون العظمة .
ومعنى:{ ما كنتم تعملون} جزاؤه لأن الجزاء لما كان بقدر المجزي أطلق عليه اسمه مجازاً مرسلاً أو مجازاً بالحذف .