قَوله:{ وليعلم المؤمنين} عطف على{ فإذن الله} عطفَ العلّة على السبب .والعلم هنا كناية عن الظهور والتقرّر في الخارج كقول إياس بن قبيصة الطائي:
وأقْبَلْتُ والخَطِّيُّ يَخْطر بيننا *** لأَعْلَمَ مَنْ جَبَانُها مِن شجاعها
أراد لتظهر شجاعتي وجبن الآخرين .وقد تقدّم نظيره قريباً .
و{ الذين نافقوا} هم عبد الله بنُ أبيّ ومن انخزل معه يوم أحُد ،وهم الذين قيل لهم: تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا .قاله لهم عبد الله بن عُمَر بن حَرَام الأنصاري ،والدُ جابر بن عبد الله ،فإنّه لمّا رأى انخزالهم قال لهم: اتّقوا الله ولا تتركوا نبيئكم وقاتلوا في سبيل الله أو ادفَعوا .والمراد بالدفع حِراسة الجيش وهو الرباط أي: ادفعوا عنّا من يريدنا من العدوّ فلمّا قال عبد الله بن عمر بن حرام ذلك أجابه عبد الله بن أبي وأصحابه بقولهم: لَوْ نَعْلَمُ قتالاً لاتَّبعناكم ،أي لم نعلم أنّه قتال ،قيل: أرادوا أنّ هذا ليس بقتال بل إلقاء باليد إلى التَّهْلُكَة ،وقيل: أرادوا أنّ قريشاً لا ينوون القتال ،وهذا لا يصحّ إلاّ لو كان قولُهم هذا حاصلاً قبل انخزالهم ،وعلى هذين فالعِلم بمعنى التحقّق المسمّى بالتصديق عند المناطقة ،وقيل: أرادوا لو نحسن القتال لاتّبعناكم ،فالعِلم بمعنى المعرفة ،وقولهم حينئذ تهكّم وتعذُّر .
ومعنى{ هم للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان} أنّ ما يُشاهد من حالهم يومئذ أقرب دلالة على أنهم يُبطنون الكفر مِن دلالة أقوالهم: إنَّا مسلمون ،واعتذارِهم بقولهم: لو نعلم قتالاً لاتّبعناكم .أي إنّ عذرهم ظاهر الكذب ،وإرادة تفشيل المسلمين ،والقرب مجاز في ظهور الكفر عليهم .
ويتعلّق كلّ من المجرورين في قوله:{ منهم للإيمان} بقوله:{ أقرب} لأنّ{ أقرب} تفضيل يقتضي فاضلاً ومفضولاً ،فلا يقع لبْس في تعلّق مجرورين به لأنّ السامع يَردّ كل مجرور إلى بعض معنى التفضيل .
وقوله:{ يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} استئناف لبيان مغزى هذا الاقتراب ،لأنّهم يبدون من حالهم أنّهم مؤمنون ،فكيف جُعلوا إلى الكفر أقربَ ،فقيل: إنّ الذي يُبدونه ليس موافقاً لما في قلوبهم ،وفي هذا الاستئناف ما يمنع أن يكون المراد من الكفر في قوله:{ هم للكفر} أهلَ الكفر .