لما وعظهم بما أصابهم من فساد الأحوال ونبههم إلى أنها بعض الجزاء على ما كسبت أيديهم عرَّض لهم بالإنذار بفساد أعظم قد يحلّ بهم مثله وهو ما أصاب الذين من قبلهم بسبب ما كانوا عليه من نظير حال هؤلاء في الإشراك فأمرهم بالسير في الأرض والنظر في مصير الأمم التي أشركت وكذبت مثل عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم لأن كثيراً من المشركين قد اجتازوا في أسفارهم بديار تلك الأمم كما قال تعالى{ وإنكم لتَمُرُّون عليهم مُصْبِحين وبالليل أفلا تعقلون}[ الصافات: 137 138] .فهذا تكرير وتأكيد لقوله السابق{ أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم}[ الروم: 9] ،وإنما أعيد اهتماماً بهذه العبرة مع مناسبة قوله{ ليذيقهم بعض الذي عملوا}[ الروم: 41] .
والعاقبة: نهاية الأمر .والمراد بالعاقبة الجنس ،وهو متعدد الأفراد بتعدد الذين من قبل ،ولكل قوم عاقبة .
وجملة{ كان أكثرهم مشركين} واقعة موقع التعليل لجملة{ كيف كان عاقبة الذين من قبل} ،أي سبب تلك العاقبة المنظورة هو إشراك الأكثرين منهم ،أي أن أكثر تلك الأمم التي شوهدت عاقبتُها الفظيعة كان من أهل الشرك فتعلمون أن سبب حلول تلك العاقبة بهم هو شركهم ،وبعض تلك الأمم لم يكونوا مشركين وإنما أصابهم لتكذيبهم رسلهم مثل أهل مدين قال تعالى:{ أكُفَّارُكُم خيرٌ من أولئكم}[ القمر: 43] .