عطف على جملة{ إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذُكِّروا بها}[ السجدة: 15] إلى آخرها حيث اقتضت أن الذين قالوا:{ أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد}[ السجدة: 10] ليسوا كأولئك فانتُقل إلى الإخبار عنهم بأنهم أشد الناس ظلماً لأنهم يُذَكِّرون بآيات الله حين يتلى عليهم القرآن فيعرضون عن تدبرها ويَلْغون فيها ،فآيات الله مراد بها القرآن .
وجيء في عطف جملة{ أعرضَ} بحرف{ ثم} لقصد الدلالة على تراخي رتبة الإعراض عن الآيات بعد التذكير بها تراخي استبعاد وتعجيب من حالهم كقول جعفر بن علبة الحارثي:
لا يكشف الغماء إلا ابنُ حرة *** يرى غمراتتِ الموت ثُم يزورها
أي: عجيب إقدامه على مواقع الهلاك بعد مشاهدة غمرات الموت تغمر الذين أقدموا على تلك المواقع .
و{ مَن} للاستفهام الإنكاري كقوله{ ومن أظلم ممن مَنَع مساجدَ الله أن يذكر فيها اسمه}[ البقرة: 114] أي: لا أظلم منه ،أي لا أحَد أظلم منه لأنه ظلَم نفسه بحرمانها من التأمل فيما فيه نفعه ،وظلَم الآيات بتعطيل نفعها في بعضضِ مَن أريد انتفاعهم بها ،وظَلَم الرسول عليه الصلاة والسلام بتكذيبه والإعراض عنه ،وظَلَم حق ربه إذ لم يمتثل ما أراد منه .
وجملة{ إنا من المجرمين منتقمون} مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن تفظيع ظلم الذي ذُكِّر بآيات ربِّه فأعرض عنها لأن السامع يترقب جزاء ذلك الظالم .والمراد بالمجرمين هؤلاء الظالمون ،عدل عن ذكر ضميرهم لزيادة تسجيل فظاعة حالهم بأنهم مجرمون مَع أنهم ظالمون ،وقد يقال: إن المجرمين أعم من الظالمين فيكون دخولهم في الانتقام من المجرمين أحروِيّاً وتصير جملة{ إنا من المجرمين منتقمون} تذييلاً .