الأظهر أنه بدل اشتمال من قوله:{ ذلك هو الفضل الكبير}[ فاطر: 32] فإن مما يشتمل عليه الفضل دخولهم الجنة كما علمت وتخصيص هذا الفضل من بين أصنافه لأنه أعظم الفضل لأنه أمارة على رضوان الله عنهم حين إدخالهم الجنة ،{ ورضوانٌ من الله أكبر}[ التوبة: 72] .
ويجوز أن يكون استئنافاً بيانياً لبيان الفضل الكبير وقد بيّن بأعظم أصنافه .والمعنى واحد .
وضمير الجماعة في{ يدخلونها} راجع إلى{ الذين اصطفينا}[ فاطر: 32] المقسم إلى ثلاثة أقسام: ظالممٍ ،ومقتصدٍ ،وسابققٍ ،أي هؤلاء كلهم يدخلون الجنة لأن المؤمنين كلهم مآلهم الجنة كما دلت عليه الأخبار التي تكاثرت .وقد روى الترمذي بسند فيه مجهولان عن أبي سعيد الخدري « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية:{ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات}[ فاطر: 32] قال:"هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة".قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .قال أبو بكر بن العربي في « العارضة »: من الناس من قال: إن هذه الأصناف الثلاثة هم الذين في سورة الواقعة ( 8 10 ):{ أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون} وهذا فاسد لأن أصحاب المشأمة في النار الحامية ،وأصحاب سورة فاطر في جنة عالية لأن الله ذكرهم بين فاتحة وخاتمة فأما الفاتحة فهي قوله:{ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}[ فاطر: 32] فجعلهم مصطفَيْن .ثم قال في آخرهم{ جنات عدن يدخلونها}[ فاطر: 33] ولا يصطفَى إلا من يدخل الجنة ،ولكن أهل الجنة ظالم لنفسه فقال:{ فمنهم ظالم لنفسه}[ فاطر: 32] وهو العاصي والظالم المطلق هو الكافر ،وقيل عنه: الظالم لنفسه رفقاً به ،وقيل للآخر: السابق بإذن الله إنباء أن ذلك بنعمة الله وفضله لا من حال العبد ا ه .
وفي الإِخبار بالمسند الفعلي عن المسنْد إليه إفادة تقوي الحكم وصوَغ الفعل بصيغة المضارع لأنه مستقبل ،وكذلك صوغ{ يحلون} وهو خبر ثانٍ عن{ جنات عدن} .وتقدم نظيرها في سورة الحج فانظره .
وقرأ نافع وعاصم وأبو جعفر{ ولؤلؤاً} بالنصب عطفاً على محل{ أساور} لأنه لما جر بحرف الجر الزائد كان في موضع نصب على المفعول الثاني لفعل{ يحلون} فجاز في المعطوف أن ينصب على مراعاة محل المعطوف عليه .وقرأه الباقون بالجر على مراعاة اللفظ ،وهما وجهان .