فُصل ذكر إسماعيل عن عدّه مع أبيه إبراهيم وأخيه إسحاق لأن إسماعيل كان جد الأمة العربية ،أي معظمِها فإنه أبو العدنانيين .وجدّ للأم لمعظم القحطانيين لأن زوج إسماعيل جُرْهُميّة فلذلك قطع عن عطفه على ذكر إبراهيم وعاد الكلام إليه هنا .
وأمّا قرنه ذِكرَه بذكر اليسَع وذي الكفل بعطف اسميهما على اسمه فوجهه دقيق في البلاغة وليس يكفي في توجيهه ما تضمنه قوله:{ وكُلٌّ مِنَ الأخيارِ} ،لأن التماثل في الخيريّة والاصطفاء ثابت لجميع الأنبياء والمرسلين ،فلا يكون ذكرُهما بعد ذكر إسماعيل أولى من ذكر غيرهما من ذوي الخيرية الذين شملهم لفظ الأخيار والاصطفاء ،فإن شرط قبول العطف بالواو أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جامع عقلي أو وهمي أو خيالي كما قال في « المفتاح » ،قال ومن هنا عابوا أبا تمام في قوله:
لا والذي هو عالم أن النوى *** صبر وأن أبا الحسين كريم{[355]}
حيث جمع بين مرارة النوى وكرم أبي الحسين وإن كانا مقترنين في تعلق علم الله بهما وذلك مساوٍ لاقتران إسماعيل واليسع وذي الكفل في أنهم من الأخيار في هذه الآية .
فبنا أن نطلب الدقيقة التي حسّنت في هذه الآية عطف اليسع وذي الكفل على إسماعيل .فأما عطف اليسع على إسماعيل فلأن اليسع كان مقامه في بني إسرائيل كمقام إسماعيل في بني إبراهيم لأن اليسع كان بمنزلة الابن للرسول إلياس ( إيليا ) وكان إلياس يدافع ملوك يهوذا وملوكَ إسرائيل عن عبادة الأصنام ،وكان اليسع في إعانته كما كان إسماعيل في إعانة إبراهيم ،وكان إلياس لما رفع إلى السماء قام اليسع مقامه كما هو مبيّن في سفر « الملوك الثاني » الإصحاح ( 1 2 ) .
وأما عطف ذي الكفل على إسماعيل فلأنه مماثل لإسماعيل في صفة الصبر قال الله تعالى في سورة الأنبياء ( 85 ){ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين .وقرأ الجمهور{ الْيسع} بهمزة وصل وبلام واحدة وهي من أصل الاسم في اللغة العبرانية فعربته العرب باللام وليست لام التعريف ،فدع عنك ما أطالوا به .وقرأه حمزة والكسائي بهمزة وصل وبلامين وتشديد الثانية وهو أقرب إلى أصله العبراني وهو اسم أعجميّ معرب ،والهمزة واللام ،أوْ واللامان أصلية .
وتنوين{ كلٌ} في قوله:{ وكُلٌّ من الأخيارِ} عوض عن المضاف إليه ،أي وكل أولئك الثلاثة من الأخيار .وتقدم ذكر اليَسع في سورة الأنعام ،وذكر ذي الكفل في سورة الأنبياء .