{ هذا ذِكْرٌ} جملة فَصلت الكلامَ السابق عن الكلام الآتي بعدها قصداً لانتقال الكلام من غرض إلى غرض مثل جملة: أما بعد فكذا ومثل اسم الإِشارة المجرّد نحو{ هذا وإن للطاغين لشر مئاب}[ ص: 55] ،وقوله:{ ذلك ومن يعظم حرمات الله}[ الحج: 30] ،{ وذلك ومن يعظم شعائر الله} ،في سورة[ الحج: 32] .قال في « الكشاف »: وهو كما يقول الكاتب إذا فرغ من فصل من كتابه وأراد الشروع في آخر: هذا وقد كان كيْتَ وكَيت اه .وهذا الأسلوب من الانتقال هو المسمى في عرف علماء الأدب بالاقتضاب وهو طريقة العرب ومن يليهم من المخضرمين ،ولهم في مثله طريقتان: أن يذكروا الخبر كما في هذه الآية وقولِ المؤلفين: هذا باب كذا ،وأن يحذفوا الخبر لدلالة الإِشارة على المقصود ،كقوله تعالى:{ ذلك ومن يعظم حرمات الله}[ الحج: 30] ،أي ذلك شأن الذي عمِلوا بما دعاهم إليه إبراهيم وذكروا اسم الله على ذبائحهم ولم يذكروا أسماء الأصنام ،وقوله:{ ذلك ومن يعظم شعائر الله} ،أي ذلك مثل الذين أشركوا بالله ،وقوله بعد آيات هذا وإن للطاغين لشر مئاب}[ ص: 55] أي هذا مآب المتقين ،ومنه قول الكاتب: هذا وقد كان كَيْت وكَيْتتِ ،وإنما صرح بالخبر في قوله:{ هذا ذِكرٌ} للاهتمام بتعيين الخبر ،وأن المقصود من المشار إليه التذكر والاقتداء فلا يأخذ السامع اسم الإِشارة مأخذ الفصل المجرَّد والانتقالِ الاقتضابي ،مع إرادة التوجيه بلفظ{ ذكر} بتحميله معنى حُسن السمعة ،أي هذا ذكر لأولئك المسمَّيْن في الآخرين مع أنه تذكرة للمقتدِين على نحو المعْنَيَيْن في قوله تعالى:{ وإنه لذكر لك ولقومك في سورة الدخان}[ الزخرف: 44] .
ومن هنا احتمل أن تكون الإِشارة ب{ هذا} إلى القرآن ،أي القرآن ذِكر ،فتكون الجملة استئنافاً ابتدائياً للتنويه بشأن القرآن رَاجعاً إلى غَرض قوله تعالى:{ كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}[ ص: 29] .
والواو في{ وإن للمتقين} الخ ،يجوز أن تكون للعطف الذكري ،أي انتهى الكلام السابق بقولنا{ هذا} ونعطف عليه{ إنَّ للمُتَّقينَ} الخ .ويجوز أن تكون واو الحال .وتقدم معنى{ حسن مئاب} .واللام في{ للمُتَّقينَ} لام الاختصاص ،أي لهم حسن مآب يوم الجزاء .