جملة{ ما كَانَ لي من علمٍ بالملأ الأعلى إذ يختصمونَ} اعتراض إبلاغ في التوبيخ على الإِعراض عن النبأ العظيم ،وحجة على تحقق النبأ بسبب أنه موحىً به من الله وليس للرسول صلى الله عليه وسلم سبيل إلى عمله لولا وحي الله إليه به .وذكر فعل{ كان} دال على أن المنفي علمه بذلك فيما مضى من الزمن قبل أن يوحى إليه بذلك كما قال تعالى:{ وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}[ آل عمران: 44] وقوله:{ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين}[ القصص: 44] .
والباء في قوله:{ بالمَلأ الأعلى} على كلا المعنيين للنبأ ،لتعدية{ عِلم} لتضمينه معنى الإِحاطة ،وهو استعمال شائع في تعدية العلم .ومنه ما في حديث سؤال الملكين في « الصحيح » فيقال له: ما علمك بهذا الرجل .ويجوز على المعنى الثاني في النبأ أن تكون الباء ظرفية ،أي ما كان لي علم كائن في الملأ الأعلى ،أي ما كنت حاضراً في الملأ الأعلى فهي كالباء في قوله:{ وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأم}[ القصص: 44] .
والملأُ: الجماعة ذات الشأن ،ووصفه ب{ الأعلى} لأن المراد ملأُ السماوات وهم الملائكة ولهم علوّ حقيقي وعلوّ مجازيّ بمعنى الشرف .
و{ إذْ يَخْتَصِمُونَ} ظرف متعلق بفعل{ ما كانَ لي من عِلم} أي حين يختصم أهل الملأ الأعلى على أحد التأويلين ،أي في حين تنازع الملائكة وإبليس في السماء .والتعبير بالمضارع في موضع المضيّ لقصد استحضار الحالة ،أو حين يختصم الطاغون وأتباعهم في النار بين يدي الملأ الأعلى ،أي ملائكة النار أو ملائكة المحشر ،والمضارع على أصله من الاستقبال .
والاختصام: افتعال من خَصمَه ،إذا نازعه وخالفه فهو مبالغة في خَصَم .