و أما جملة{ ومَن يَهْدِ الله فما لهُ مِن مُضلٍ} فقد اقتضاها أن الكلام الذي اعترضت بعده الجملتان اقتضى فريقين: فريقاً متمسكاً بالله القادر على النفع والضر وهو النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ،وآخرَ مستمسكاً بالأصنام العاجزة عن الأمرين ،فلما بُيّن أن ضلال الفريق الثاني ضلال مكين ببيان أن هدى الفريق الآخر راسخ متين فلا مطمع للفريق الضال بأن يجرّوا المهتدين إلى ضلالهم .
{ أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ ذِى انتقام} .
تعليل لإِنكار انتفاء كفاية الله عن ذلك كإنكار أن الله عزيز ذو انتقام ،فلذلك فصلت الجملة عن التي قبلها .
والاستفهام تقريري لأن العلم بعزة الله متقرر في النفوس لاعتراف الكل بإلهيته والإلهية تقتضي العزة ،ولأن العلم بأنه منتقم متقرر من مشاهدة آثار أخذه لبعض الأمم مثل عاد وثمود .فإذا كانوا يقرّون لله بالوصفين المذكورين فما عليهم إلا أن يعلموا أنّه كافٍ عبده بعزته فلا يقدر أحد على إصابة عبده بسوء ،وبانتقامه من الذين يبْتغون لعبده الأذى .
والعزيز: صفة مشبهة مشتقة من العزّ ،وهو منَعَة الجانب وأن لا يناله المتسلط وهو ضد الذل ،وتقدم عند قوله تعالى:{ فاعلموا أن اللَّه عزيز حكيم} في سورة[ البقرة: 209] .
والانتقام: المكافأة على الشر بشر ،وهو مشتق من النقْم وهو الغضب كأنه مطاوعه لأنه مسبب عن النَّقْم ،وقد تقدم عند قوله تعالى:{ فانتقمنا منهم فأغرقناهم} في اليم في سورة[ الأعراف: 136] .وانظر قوله تعالى:{ واللَّه عزيز ذو انتقام} في سورة[ العقود: 95] .