وقوله:{ النَّارُ يُعْرَضُونَ عليها غُدُواً وعَشياً} يجوز أن يكون جملة وقعت بدلاً من جملة{ وحاق بآل فرعون سوء العذاب} ،فيجعل{ النَّار} مبتدأ ويجعل جملة{ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} خبراً عنه ويكون مجموع الجملة من المبتدأ وخبره بدل اشتمال من جملة{ وحَاقَ بِآلِ فِرعون سُوءُ العَذَّابِ} لأن سوء العذاب إذا أريد به الغرق كان مشتملاً على موتهم وموتُهم يشتمل على عرضهم على النار غدُوًّا وعشِيًّا ،فالمذكور عَذَابَان: عذاب الدنيا وعذابُ الغرق وما يلحق به من عذاببٍ قبل عذاب يوم القيامة .
ويجوز أن يكون{ النار} بدلاً مفرداً من{ سُوءُ العَذَابِ} بدلاً مطابقاً وجملة{ يُعْرَضُونَ عليها} حالاً من{ النار} فيكون المذكور في الآية عذاباً واحداً ولم يذكر عَذاب الغرق .وعلى كلا الوجهين فالمذكور في الآية عذاب قبل عذاب يوم القيامة فذلك هو المذكور بعده بقوله:{ ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا ءالَ فِرْعَونَ أشَدَّ العَذَابِ} .
والعرض حقيقته: إظهار شيء لمن يراه لترغيب أو لتحذير وهو يتعدّى إلى الشيء المظْهَر بنفسه وإلى من يُظهَر لأجله بحرف ( على ) ،وهذا يقتضي أن المعروض عليه لا يكون إلا من يَعقل ومنزّلاً منزلة من يعقل ،وقد يقلب هذا الاستعمال لقصد المبالغة كقول العرب « عرضتُ الناقةَ على الحوض » ،وحقه: عرضت الحوض على الناقة ،وهو الاستعمال الذي في هذه الآية وقوله في سورة الأحقاف ( 20 ){ ويوم يعرض الذين كفروا على النار} وقد عدَّ علماء المعاني القلب من أنواع تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر ومثلوا له بقول العرب: عرضت الناقة على الحوض .واختلفوا في عدّه من أفانين الكلام البليغ فعدّه منها أبو عبيدة والفارسي والسكاكي ولم يقبله الجمهور ،وقال القزويني: إن تضمن اعتباراً لطيفاً قُبِل وإلاّ رُدّ .
وعندي أن الاستعمالين على مقتضى الظاهر وأن العَرض قد كثر في معنى الإمرار دون قصد الترغيب كما يقال: عُرض الجيش على أميره واستعرضه الأمير .
ولعلّ أصله مجاز ساوى الحقيقة فليس في الآيتين قلب ولا في قول العرب: عرضت الناقة على الحوض ،قَلب ،ويقال: عُرض بنو فلان على السيف ،إذا قُتلوا به .وخرج في « الكشف » آية الأحقاففِ على قولهم: عُرض على السيففِ .
ومعنى عرضهم على النار أن أرواحهم تُشاهِد المواضع التي أعدت لها في جهنم ،وهو ما يبينه حديث عبد الله بن عُمر في « الصحيح » قال: قال رسول الله:"إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقْعَدُه بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ،وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثَك الله يوم القيامة"
وقولُه:{ غُدُوّاً وعَشِيّاً} كناية عن الدوام لأن الزمان لا يخلو عن هاذين الوقتين .
وقوله:{ ويَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة أدْخِلوا ءالَ فِرْعون أشدَّ العَذَابِ} هذا ذكر عذاب الآخرة الخالد ،أي يُقال: أَدخلوا آل فرعون أشد العذاب ،وعلم من عذاب آل فرعون أن فرعون داخل في ذلك العذاب بدلالة الفحوى .
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص وأبو جعفر ويعقوب{ أدخلوا} بهمزة قطع وكسر الخاء .وقرأ الباقون بهمزة وصل وضم الخاء على معنى أن القول مُوجّه إلى آل فرعون وأن{ ءَالَ فِرْعَونَ} منادى بحذف الحرف .