أُتبع الموصول السابق بموصولات معطوففٍ بعضُها على بعض كما تعطف الصفات للموصوف الواحد ،فكذلك عطف هذه الصلات وموصولاتها أصحابها متحدون وهم الذين آمنوا بالله وحده وقد تقدم نظيره عند قوله تعالى:{ الذين يؤمنون بالغيب}[ البقرة: 3] ثم قوله:{ والذين يؤمنون بما أنزل إليك} الآية في سورة البقرة ( 4 ) .
والمقصود من ذلك: هو الاهتمام بالصلات فيكرر الاسم الموصول لتكون صلتُه معتنى بها حتى كأنَّ صاحبها المتّحد منزَّلٌ منزلة ذوات .فالمقصود: ما عند الله خير وأبقى للمؤمنين الذين هذه صفاتهم ،أي أتْبَعوا إيمانهم بها .وهذه صفات للمؤمنين باختلاف الأحوال العارضة لهم فهي صفات متداخلة قد تجتمع في المؤمن الواحد إذا وُجدت أسبابها وقد لا تجتمع إذا لم توجد بعض أسبابها مثل{ وأمرُهم شورى بينهم} ( 38 ) .
وقرأ الجمهور{ كبائر} بصيغة الجمع .وقرأه حمزة والكسائي وخلَف{ كَبِير} بالإفراد ،فكبائر الإثم: الفعلات الكبيرة من جنس الإثم وهي الآثام العظيمة التي نهى الشرع عنها نهياً جازماً ،وتوعد فاعلَها بعقاب الآخرة مثل القذف والاعتداء والبغي .وعلى قراءة{ كبيرة الإثم} مراد به معنى كبائر الإثم لأن المفرد لما أضيف إلى معرَّف بلام الجنس من إضافة الصفةِ إلى الموصوف كان له حكم ما أضيف هو إليه .
و{ الفواحش}: جمع فاحشة ،وهي: الفعلة الموصوفة بالشناعة والتي شدد الدِّين في النهي عنها وتوعّد عليها بالعذاب أو وضعَ لها عقوبات في الدنيا للذي يُظهر عليه من فاعليها .وهذه مثل قتل النفس ،والزنا ،والسرقة ،والحرابة .وتقدّم عند قوله:{ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا} في سورة الأعراف ( 28 ) .
وكبائر الإثم والفواحش قد تدعو إليها القوة الشاهية .ولما كان كثير من كبائر الإثم والفواحش متسبباً على القوة الغضبية مثل القتل والجراح والشتم والضرب أعقب الثناء على الذين يجتنبونها ،فذكر أن من شيمتهم المغفرة عند الغضب ،أي إمساك أنفسهم عن الاندفاع مع داعية الغضب فلا يغول الغضب أحلامهم .
وجيء بكلمة{ إذَا} المضمنة معنى الشرط والدالّة على تحقق الشرط ،لأن الغضب طبيعة نفسية لا تكاد تخلو عنه نفس أحد على تفاوت .وجملة{ وإذا ما غضبوا هم يغفرون} عطف على جملة الصلة .
وقدم المسند إليه على الخبر الفعلي في جملة{ هم يغفرون} لإفادة التقوّي .
وتقييد المسند ب{ إذا} المفيدة معنى الشرط للدّلالة على تكرر الغفران كلما غضبوا .
والمقصود من هذا معاملة المسلمين بعضِهم مع بعض فلا يعارضه قوله الآتي{ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون}[ الشورى: 39] لأن ذلك في معاملتهم مع أعداء دينهم .