الفاء فصيحة لأنها أفصحت عن مقدر ،أي إذْ قلتَ ذلك القيل وفوضتَ الأمر إلينا فسأتَولى الانتصاف منهم فاصفح عنهم ،أي أعرض عنهم ولا تحزن لهم وقل لهم إن جادلوك:{ سلامٌ} ،أي سلمنا في المجادلة وتركناها .t وأصل{ سلام} مصدر جاء بدلاً من فعله .فأصله النصب ،وعدل إلى رفعه لقصد الدلالة على الثبات كما تقدم في قوله:{ الحمد لله ربّ العالمين}[ الفاتحة: 2] .
يقال: صَفح يصفح من باب منع بمعنى: أعرضَ وترك ،وتقدم في أول السورة{ أفنضربُ عنكم الذكر صفحاً}[ الزخرف: 5] ولكن الصفح المأمور به هنا غير الصفح المُنكَر وقوعُه في قوله:{ أفنضرب عنكم الذكر صَفحاً .وفرع عليه فسوف تعلمون} تهديداً لهم ووعيداً .وحذف مفعول{ تعلمون} للتهويل لتذهب نفوسهم كل مذهب ممكن .وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ورَوْح عن يعقوب{ تعلمون} بالمثناة الفوقية على أن{ فسوف تعلمون} مما أمر الرسول بأن يقوله لهم ،أي وقل سوف تعلمون .وقرأه الجمهور بياء تحتية على أنه وعد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه منتقم من المكذبين .
وما في هذه الآية من الأمر بالإعراض والتسليم في الجدال والوعيد ما يؤذن بانتهاء الكلام في هذه السورة وهو من براعة المقطع .