ذُيِّل تقويمُهم على الحق بهذا التذييل ليعلموا أن الله لا يُكتم ،وأنه لا يُكذَب ،لأنه يعلم كُلَّ غائبة في السماء والأرض فإنهم كانوا في الجاهلية لا تخطر ببال كثير منهم أصول الصفات الإلهية .وربما علمها بعضهم مثل زهير في قوله:
فلا تكتمُنّ الله ما في نفوسكم *** ليَخفى فَمَهْمَا يُكْتم الله يعلَم
ولعل ذلك من آثار تنصره .
وتأكيد الخبر ب{ إن} لأنهم بحال من ينكر أن الله يعلم الغيب فكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهم أنه مرسل من الله فكان كذبهم عليه مثل الكذب على الله .
وقد أفادت هذه الجملة تأكيد مضمون جملتي{ والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ،والله بكل شيء عليم}[ الحجرات: 16] ولكن هذه زادت بالتصريح بأنه يعلم الأمور الغائبة لئلا يتوهم متوهم أن العمومين في الجملتين قبلها عمومان عرفيان قياساً على عِلم البشر .
وجملة{ والله بصير بما تعملون} معطوف على جملة{ إن الله يعلم غيب السماوات والأرض} عطف الأخص على الأعم لأنه لما ذكر أنه يعلم الغيب وكان شأن الغائب أن لا يُرى عطف عليه علمه بالمبصرات احتراساً من أن يتوهّموا أن الله يعلم خفايا النفوس وما يجول في الخواطر ولا يعلم المشاهدات نظير قول كَثير من الفلاسفة: إنّ الخالق يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات ،ولهذا أوثر هنا وصف{ بصير} .وقرأ الجمهور{ بما تعملون} بتاء الخطاب ،وقرأه ابن كثير بياء الغيبة .