فرع على وعيدهم إنذار آخر بالويل ،أو إنشاءُ زَجر .
والويل: الشر وسوء الحال ،وتقدم في قوله:{ فويل لهم مما كتبت أيديهم} في سورة البقرة ( 79 ) ،وتنكيره للتعظيم .
والكلام يحتمل الإِخبار بحصول ويل ،أي عذاب وسوء حال لهم يوم أوعدوا به ،ويحتمل إنشاء الزجر والتعجيب من سوء حالهم في يَوم أُوعدوه .
و ( مِن ) للابتداء المجازي ،أي سوء حال بترقبهم عذاباً آتياً من اليوم الذي أوعدوه .
والذين كفروا: هم الذين ظلموا ،عدل عن ضميرهم إلى الاسم الظاهر لما فيه من تأكيد الاسم السابق تأكيداً بالمرادف ،مع ما في صفة الكفر من الإِيماء إلى أنهم لم يشكروا نعمة خالقهم .
واليوم الذي أوعدوه هو زمن حلول العذاب فيحتمل أن يراد يوم القيامة ويحتمل حلول العذاب في الدنيا ،وأيًّا مَّا كان فمضمون هذه الجملة مغاير لمضمون التي قبلها .
وإضافة ( يوم ) إلى ضميرهم للدلالة على اختصاصه بهم ،أي هو معيّن لجزائهم كما أضيف يوم إلى ضمير المؤمنين في قوله تعالى:{ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون}[ الأنبياء: 103] .واليوم: يصدق بيوم القيامة ،ويصدق بيوم بدر الذي استأصل الله فيه شوكتهم .
ولما كان المضاف إليه ضمير الكفار المعينين وهم كفار مكة ترجح أن يكون المراد من هذا اليوم يوماً خاصاً بهم وإنما هو يوم بدر لأن يوم القيامة لا يختص بهم بل هو عام لكفار الأمم كلهم بخلاف اليوم الذي في قوله في سورة الأنبياء ( 103 ):{ وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون} لأن ضمير الخطاب فيها عائد إلى{ الذين سبقت لهم منا الحسنى}[ الأنبياء: 101] كلهم .
وفي الآية من اللطائف تمثيل ما سيصيب الذين كفروا بالذنوب ،والذنوب يناسب القليب وقد كان مثواهم يوم بدر قليبَ بدر الذي رُميت فيه أشلاء سادتهم وهو اليوم القائل فيه شداد بن الأسود الليثي المكنَّى أبا بكر يرثي قتلاهم:
وماذا بالقليبِ قليبِ بدر *** مـن الشيزى تُزيَّن بالسَّنَام
تحيّى بالسلامة أمّ بكر *** وهل لي بعد قومي من سَلام
ولعلّ هذا مما يشمل قول النبي صلى الله عليه وسلم حين وقف على القليب يوم بدر{ قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً}[ الأعراف: 44]
وفي قوله:{ من يومهم الذي يوعدون} مع قوله في أول السورة{ إن ما توعدون لصادق}[ الذاريات: 5] ردّ العجز على الصدر ،ففيه إيذان بانتهاء السورة وذلك من براعة المقطع .