هذه الآية وإن كانت مستقلة بإفادة أن الله خالق الأزواج من الإِنسان خلقاً بديعاً من نطفة فيصير إلى خصائص نوعه وحسبك بنوع الإِنسان تفكيراً أو مقدرة وعملاً ،وذلك ما لا يجهله المخاطبون فما كان ذَكره إلا تمهيداً وتوطئة لقوله:{ وأن عليه النشاة الأخرى}[ النجم: 47] على نحو قوله تعالى:{ كما بدأنا أول خلق نعيده}[ الأنبياء: 104] وباعتبار استقلالها بالدلالة على عجيب تكوين نسل الإِنسان ،عُطفت عليها جملة{ وأن عليه النشأة الأخرى}[ النجم: 47] وإلا لكان مقتضى الظاهر أن يقال: إنَّ عليه النشأة الأخرى بدون عطف وبكسر همزة{إنّ}.
ومناسبة الانتقال إلى هذه الجملة أن فيها كيفية ابتداء الحياة .
والمراد بالزوجين: الذكر والأنثى من خصوص الإِنسان لأن سياق الكلام للاعتبار ببديع صنع الله وذلك أشد اتفاقاً في خلقة الإِنسان ،ولأن اعتبار الناس بما في أحوال أنفسهم أقرب وأمكن ولأن بعض الأزواج من الذكور والإِناث لا يتخلق من نطفة بل من بَيْض وغيره .
ولعل وجه ذكر الزوجين والبدل منه{ الذكر والأنثى} دون أن يقول: وأنه خلقه ،أي الإِنسان من نطفة ،كما قال:{ فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق}[ الطارق: 5 ،6] الآية أمران:
أحدهما: إدماج الامتنان في أثناء ذكر الانفراد بالخلق بنعمة أن خلق لكل إنسان زوجه كما قال تعالى:{ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها}[ الروم: 21] الآية .
الثاني: الإِشارة إلى أن لكلا الزوجين حظاً من النطفة التي منها يخلق الإِنسان فكانت للذكر نطفة وللمرأة نطفة كما ورد في الحديث الصحيح أنه «إذا سبق ماء الرجل أشبه المولود أباه وإن سبق ماء المرأة أشبه المولود أمه» وبهذا يظهر أن لكل من الذكر والأنثى نطفة وإن كان المتعارف عند الناس قبل القرآن أن النطفة هي ماء الرجل إلا أن القرآن يخاطب الناس بما يفهمون ويشير إلى ما لا يعلمون إلى أن يفهمه المتدبرون .وحسبك ما وقع بيانه بالحديث المذكور آنفاً .