ويتعلق{ على أن نبدل أمثالكم} ب{ مسبوقين} لأنه يقال: غلبه على كذا ،إذا حال بينه وبين نواله ،وأصله: غلبه على كذا ،أي تمكن من كذا دونه قال تعالى:{ والله غالب على أمره}[ يوسف: 21] .ويكون الوقف على قوله:{ أمثالكم} .
ويجوز أن يكون{ على أن نبدل أمثالكم} في موضع الحال من ضمير{ قدرنا}[ الواقعة: 60] ،أي قدرنا الموت على أن نحييكم فيما بعدُ إدماجاً لإِبطال قولهم:{ أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمبعوثون}[ الواقعة: 47] فتكون ( على ) بمعنى ( مع ) وتكون حالاً مقدرة ،وهذا كقول الواعظ: « على شرط النقض رُفع البنيان ،وعلى شرط الخروج دخلتْ الأرواح للأبدان » ويكون متعلق ( مسبوقين ) محذوفاً دالاً عليه المقام ،أي ما نحن بمغلوبين فيما قدّرناه من خلقكم وإماتتكم ،ويجعل الوقف على ( مسبوقين ) .
ويفيد قوله:{ نحن قدرنا بينكم الموت} الخ وراء ذلك عبرة بحال الموت بعد الحياة فإن في تقلب ذيْنك الحالين عبرة وتدبراً في عظيم قدرة الله وتصرفه فيكون من هذه الجهة وزانُه وزان قوله الآتي:{ لو نشاء لجعلناه حطاماً}[ الواقعة: 65] وقوله:{ لو نشاء جعلناه أجاجاً}[ الواقعة: 70] وقوله:{ نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين}[ الواقعة: 73] .
ومعنى:{ أن نبدل أمثالكم}: نبدل بكم أمثالكم ،أي نجعل أمثالكم بدلاً .
وفعل ( بدّل ) ينصب مفعولاً واحداً ويتعدى إلى ما هو في معنى المفعول الثاني بحرف الباء ،وهو الغالب أو ب ( مِن ) البدلية فإن مفعول ( بدّل ) صالح لأن يكون مُبدَلاً ومبدَلا منه ،وقد تقدم في سورة البقرة ( 61 ) قوله تعالى:{ أتستبدلون الذي هو أدنى} وفي سورة النساء ( 2 ) عند قوله: ولا تَتَبَدّلوا الخبيث بالطّيب ،فالتقدير هنا: على أن نبدّل منكم أمثالكم ،فحذف ،متعلق نبدل} وأبقي المفعول لأن المجرور أولى بالحذف .
والأمثال: جمع مِثْل بكسر الميم وسكون المثلثة وهو النظير ،أي نخلق ذوات مماثلة لذواتكم التي كانت في الدنيا ونودع فيها أرواحكم .
وهذا يؤذن بأن الإِعادة عن عدم لا عن تفريق .وقد تردد في تعيين ذلك علماء السنة والكلام .
ويجوز أن يفيد معنى التهديد بالاستئصال ،أي لو شئنا استئصالكم لما أعجزتمونا فيكون إدماجاً للتهديد في أثناء الاستدلال ويكون من باب قوله تعالى:{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد}[ إبراهيم: 19] .
{ وننشئكم} عطف على{ نبدل} ،أي ما نحن بمغلوبين على إنشائكم .
وهذا العطف يحتمل أن يكون عطف مغاير بالذات فيكون إنشاؤهم شيئاً آخر غير تبديل أمثالهم ،أي نحن قادرون على الأمرين جميعاً ،فتبديل أمثالهم خلق أجساد أخرى تودع فيها الأرواح ،وأما إنشاؤهم فهو نفخ الأرواح في الأجساد الميتة الكاملة وفي الأجساد البالية بعد إعادتها بجمع متفرقها أو بإنشاء أمثالها من ذواتها مثل: عَجب الذنب ،وهذا إبطال لاستبعادهم البعث بعد استقرار صور شبهتهم الباعثة على إنكار البعث .
ويحتمل أن يكون عطف مغاير بالوصف بأن يراد من قوله:{ وننشئكم في ما لا تعلمون} الإِشارة إلى كيفية التبديل إشارة على وجه الإِبهام .
وعطف بالواو دون الفاء لأنه بمفرده تصوير لقدرة الله تعالى وحكمته بعدما أفاده قوله:{ أن نبدل أمثالكم} من إثبات أن الله قادر على البعث .
و{ ما} من قوله:{ في ما لا تعلمون} صادقة على الكيفية ،أو الهيئة التي يتكيّف بها الإنشاء ،أي في كيفية لا تعلمونها إذ لم تحيطوا علماً بخفايا الخلقة .وهذا الإجمال جامع لجميع الصور التي يفرضها الإمكان في بعث الأجساد لإيداع الأرواح .
والظرفية المستفادة من{ في} ظرفية مجازية معناها قوة الملابسة الشبيهة بإحاطة الظرف بالمظروف كقوله:{ فعدلك في أي صورة ما شاء ركّبك}[ الانفطار: 7 ،8] .
ومعنى{ لا تعلمون}: أنهم لا يعلمون تفاصيل تلك الأحوال .