هذه مذمة خامسة .
{ منّاع}: شديد المنع .والخير: المال ،أي شحيح ،والخير من أسماء المال قال تعالى:{ وإِنه لحُب الخير لشديد}[ العاديات: 8] وقال:{ إنْ تَرَكَ خَيْراً}[ البقرة: 180] ،وقد روعي تماثل الصيغة في هذه الصفات الأربع وهي{ حَلاّففٍ ،هَمّازٍ ،مشَّاءٍ ،منَّاعٍ} وهو ضرب من محسن الموازنة .
والمراد بمنع الخير: منعه عمن أسلَمَ من ذويهم وأقاربهم ،يقول الواحد منهم لمن أسلم من أهله أو مواليه: من دخل منكم في دين محمد لا أنفعه بشيء أبداً ،وهذه شنشنة عرفوا بها من بعد ،قال الله تعالى في شأن المنافقين{ هم الذين يقولون لا تنفقوا على مَن عند رسول الله حتى ينفضّوا}[ المنافقون: 7] .وأيضاً فمِن منعِ الخير ما كان أهل الجاهلية يعطون العطاء للفخر والسمعة فلا يعطون الضعفاء وإنما يعطون في المجامع والقبائل قال تعالى:{ ولا يَحُضّون على طعام المسكين}[ الفجر: 18] .قيل: كان الوليد بن المغيرة ينفق في الحج في كل حجة عشرين ألفاً يطعم أهلَ مِنى ،ولا يعطي المسكين درهماً واحداً .
هما مذمتان سادسة وسابعة قرن بينهما لمناسبة الخصوص والعموم .
والاعتداء: مبالغة في العُدوان فالافتعال فيه للدلالة على الشدة .
والأثيم: كثير الإِثم ،وهو فعيل من أمثلة المبالغة قال تعالى:{ إن شجرة الزقوم طعام الأثيم}[ الدخان: 4344] .والمراد بالإِثم هنا ما يعد خطيئة وفساداً عند أهل العقول والمروءة وفي الأديان المعروفة .
قال أبو حيان: وجاءت هذه الصفات صفات مبالغة ونوسب فيها فجاء{ حَلاّف}[ القلم: 10] وبعده{ مَهين}[ القلم: 10] لأن النون فيها تواخِ مع الميم ،أي ميم{ أثيم} ،ثم جاء{ همَّاز مشّاء}[ القلم: 11] بصفتي المبالغة ،ثم جاء{ منّاع للخَير معتد أثيم} صفات مبالغة ا ه .يريد أن الافتعال في{ معتدِ} للمبالغة .