نظم هذا الكلام مثل نظم قوله:{ ولما سقط في أيديهم}[ الأعراف: 149] وقوله:{ ولما رجع موسى إلى قومه غضبان}[ الأعراف: 150] ،أي: ثم سكَت عن موسى الغضب ولَمّا سكت عنه أخذ الألواح .وهذه الجملة عطف على جملة{ ولما رجع موسى إلى قومه}[ الأعراف: 150] .
والسكوت مستعار لذهاب الغضب عنهُ ،شُبّه ثَوَرانُ الغضب في نفس موسى المنشىء خواطر العقوبة لأخيه ولقومه ،وإلقاء الألواح حتى انكسرت ،بكلام شخصُ يغريه بذلك ،وحسّن هذا التشبيه أن الغضبان يجيش في نفسه حديث للنفس يدفعه إلى أفعال يطفىء بها ثَوران غضبه ،فإذا سكن غضبه وهدَأت نفْسه كان ذلك بمنزلة سكوت المغري ،فلذلك أطلق عليه السكوت ،وهذا يستلزم تشبيه الغضب بالناطق المغري على طريقة المكنية ،فاجتمع استعارتان ،أو هو استعارة تمثيلية مكنية ؛لأنه لم تذكر الهيئة المشبهُ بها ورُمزَ إليها بذكر شيء من رَوادفها وهو السكوت ،وفي هذا ما يؤيد أن إلقاء الألواح كان أثر للغضب .
والتعريف في{ الألواح} للعهد ،أي الألواح التي ألقاها ،وإنما أخذها حفظاً لها للعمل بها ،لأن انكسارها لا يضيع ما فيها من الكتابة .
والنُسخة بمعنى المنسوخ ،كالخُطبة والقُبضة ،والنّسخ هو نقللِ مثل المكتوب في لوح أو صحيفة أخرى ،وهذا يقتضي أن هذه الألواح أخذت منها نسخة ،لأن النسخة أضيفت إلى ضمير الألواح ،وهذا من الإيجاز ،إذ التقدير: أخذ الألواح فجُعلت منها نسخة وفي نسختها هدى ورحمة ،وهذا يشير إلى ما في التوراة في الإصحاح الرابع والثلاثين من سفر الخروج « ثم قال الرب لموسى إنحت لك لوحين من حجر مثل الأولين فأكتُبُ أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما » ثم قال « فنحت لوحين من حجر كالأولين إلاهان » قال « وقال الرب لموسى أكتُبْ لنفسك هذه الكلمات » إلى أن قال « فكتَب على اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر » .
فوصْفُ النسخة بأن فيها هدى ورحمة يستلزم الأصل المنتسخ بذلك ،لأن ما في النسخة نظيرُ ما في الأصل ،وإنما ذكر لفظ النسخة هنا إشارة إلى أن اللوحتين الأصليين عوضا بنسخة لهما ،وقد قيل إن رضاض الألواح الأصلية وضعه في تابوت العهد الذي أشار إليه قوله تعالى:{ أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى} في سورة البقرة ( 248 ) .
وقوله:{ للذين هم لربهم يرهبون} يتنازع تعلّقه كلٌ من{ هدى} و{ رحمة} ،واللام في قوله:{ لربهم يرهبون} لام التقوية دخلت على المفعول لضعف العامل بتأخيره عن المعمول .