القول في تأويل قوله:وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)
قال أبو جعفر:يعني تعالى ذكره بقوله:"ولما سكت عن موسى الغضب ". ولما كفّ عنه وسكن. (31)
* * *
وكذلك كل كافٍّ عن شيء:"ساكت عنه "، وإنما قيل للساكت عن الكلام "ساكت "، لكفه عنه. (32)
وقد ذكر عن يونس الجرمي أنه قال (33) يقال:"سكت عنه الحزن "، وكلُّ شيء، فيما زعم، ومنه قول أبي النجم:
وَهَمَّــتِ الأفْعَــى بِــأَنْ تَسِـيحَا
وَسَـــكَتَ المُكَّــاءُ أَنْ يَصِيحَــا (34)
* * *
= "أخذ الألواح "، يقول:أخذها بعد ما ألقاها, وقد ذهب منها ما ذهب = "وفي نسختها هدى ورحمة "، يقول:وفيما نسخ فيها، أي كتب فيها (35) = "هدى "بيان للحق= "ورحمة للذين هم لربهم يرهبون "، يقول:للذين يخافون الله ويخشون عقابَه على معاصيه. (36)
* * *
واختلف أهل العربية في وجه دخول "اللام "في قوله:"لربهم يرهبون "،مع استقباح العرب أن يقال في الكلام:"رهبت لك ":بمعنى رهبتك= "وأكرمت لك "، بمعنى أكرمتك. فقال بعضهم:ذلك كما قال جل ثناؤه:إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ، [سورة يوسف:43]، أوصل الفعل باللام.
* * *
وقال بعضهم:من أجل ربِّهم يرهبون.
* * *
وقال بعضهم:إنَّما دخلت عَقِيب الإضافة:الذين هم راهبون لربهم، وراهبُو ربِّهم= ثم أدخلت "اللام "على هذا المعنى، لأنها عَقِيب الإضافة، لا على التكليف. (37)
* * *
وقال بعضهم:إنما فعل ذلك، لأن الاسم تقدم الفعل, فحسن إدخال "اللام ".
* * *
وقال آخرون:قد جاء مثله في تأخير الاسم في قوله:رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ[سورة النمل:72]. (38)
* * *
وذكر عن عيسى بن عمر أنه قال:سمعت الفرزدق يقول:"نقدت له مائة درهم "، يريد:نقدته مائة درهم. (39) قال:والكلام واسع.
-------------------
الهوامش:
(31) (2) في المطبوعة:(( ولما كف موسى عن الغضب )) ، وهو اجتهاد من ناشر المطبوعة الأولى ، ولم يصب . فإن المخطوطة أسقطت تفسير العبارة ، وجاء فيها هكذا:(( ولما سكت عن موسى الغضب ، وكذلك كل كاف ...... )) ، والتفسير الذي أثبته الناشر الأول تفسير ذكره الزجاج قال:(( معناه:ولما سكن . وقيل:معناه:ولما سكت موسى عن الغضب - على القلب ، كما قالوا:أدخلت القلنسوة في رأس ، والمعنى:أدخلت رأسي في القلنسوة . قال والقول الأول الذي معناه سكن ، هو قول أهل العربية )) . ولو أراد أبو جعفر ، لفسره كما فسره الزجاج ، فآثرت أن أضع تفسير أبي عبيدة في مجاز القرآن 1:229 ، لأن الذي يليه هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن .
(32) (1) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:229 .
(33) (2) انظر ما سلف ص:129 ، تعليق:3 .
(34) (3) لم أجد البيتين . وكان في المطبوعة:(( تسبحا )) و (( تضبحا )) ، وهو خطأ وفساد ، ولأبي النجم أبيات كثيرة من الرجز على هذا الوزن ، ولم أجد الرجز بتمامه . وصواب قراءة ما كان في المخطوطة هو ما أثبت .
(35) (4) انظر تفسير (( النسخة )) فيما سلف 2:472 . = وكان في المطبوعة هنا ، مكان قوله:(( أي:كتب فيها )) ، ما نصه:(( أي:منها )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، لأن الناسخ كتبها بخط دقيق في آخر السطر ، فوصل الكلام بعضه ببعض ، فساءت كتابته .
(36) (5) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .
(37) (1) في المطبوعة:لا على التعليق )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وكأنه يعني بقوله:(( التكليف )) معنى التعليق )) ، لأن (( التكليف )) هو (( التحميل )) ، ولم أجد تفسير هذه الكلمة في مكان آخر ، ولعلها من اصطلاح بعض قدماء النحاة .
(38) (2) انظر ما سلف 6:511 / 7:164 ، ومعاني القرآن للفراء 1:233 .
(39) (3) نقله الفراء في معاني القرآن 1:233 عن الكسائى ، قال:(( سمعت بعض العرب يقول:نقدت لها مئة درهم ، يريد:نقدتها مئة ، لامرأة تزوجها )) .