قرأ الجمهور ووافقهم أبو جعفر بكسر الهمزة .وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتح الهمزة عطفاً على المجرور بالباء فيكون من عطفه على المجرور بالباء هو قوله:{ فمن يستمع الآن يجدْ له شهاباً رصداً}
والتأكيد ب ( إنَّ ) في قولهم: وإنّا لمسنا السماء} لغرابة الخبر باعتبار ما يليه من قوله:{ وإنّا كنا نقعد منها مقاعد للسمع} الخ .
واللمس: حقيقته الجس باليد ،ويطلق مجازاً على اختبار أمر لأن إحساس اليد أقوى إحساس ،فشبه به الاختيار على طريق الاستعارة كما أطلق مُرادفه وهو المس على الاختبار في قول يزيد بن الحكم الكلابي:
مَسسنا من الآباءِ شَيئاً فكلُّنا *** إلى نَسب في قَومه غير واضع
أي اختبرنا نسب آبائنا وآبائكم فكنا جميعاً كرامَ الآباء .
و{ ملئت}: مستعمل في معنى كثُر فيها .وحقيقة الملء عَمْر فراغ المكان أو الإِناء بما يحل فيه ،فأطلق هنا على كثرة الشهب والحُراس على وجه الاستعارة .
والحَرس: اسم جمع للحُرَّاس ولا واحد له من لفظه مثل خدَم ،وإنما يعرف الواحد منه بالحَرَسِيِّ .ووصف بشديد وهو مفرد نظراً إلى لفظ حرس كما يقال: السلف الصالح ،ولو نُظر إلى ما يتضمنه من الآحاد لجاز أن يقال: شِداد .والطوائف من الحَرس أحراس .
والشهب: جمع شهاب وهو القطعة التي تنفصل عن بعض النجوم فتسقط في الجو أو في الأرض أو البحر وتكون مُضاءة عند انفصالها ثم يزول ضوؤها ببعدها عن مقابلة شعاع الشمس وتسمى الواحد منها عند علماء الهيئة نَيْزَكاً باسم الرمح القصير ،وقد تقدم الكلام عليها في أول سورة الصافات .
والمعنى: إننا اختبرنا حال السماء لاستراق السمع فوجدناها كثيرة الحراس من الملائكة وكثيرة الشهب للرَّجم ،فليس في الآية ما يؤخذ منه أن الشهب لم تكن قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم كما ظنه الجاحظ فإن العرب ذكروا تساقط الشهب في بعض شعرهم في الجاهلية .كما قال في « الكشاف » وذكر شواهده من الشعر الجاهلي .