وإدبار الليل: اقتراب تقضيه عند الفجر ،وإسفار الصبح: ابتداء ظهور ضوء الفجر .
وكل من{ إذْ} و{ إذَا} واقعان اسمي زمان منتصبان على الحال من الليل ومن الصبح ،أي أُقسم به في هذه الحالة العجيبة الدالة على النظام المحكم المتشابه لمحو الله ظلمات الكفر بنور الإِسلام قال تعالى:{ كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور}[ إبراهيم: 1] .
وقد أجريت جملة{ إنها لإِحدى الكبر} مجرى المثل .
ومعنى{ إحدى} أنها المتوحدة المتميزة من بين الكبر في العظم لا نظيرة لها كما يقال: هو أحدَ الرجال لا يراد: أنه واحد منهم ،بل يراد: أنه متوحد فيهم بارز ظاهر ،كما تقدم في قوله:{ ذرني ومن خلقت وحيداً}[ المدثر: 11] ،وفي المثل « هذه إحدى حُظَيَّات لقمان » .
وقرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب وخلف{ إذْ أدبر} بسكون ذال{ إذ} وبفتح همزة{ أدبر} وإسكان داله ،أقسم بالليل في حالة إدباره التي مضت وهي حالة متجددة تَمضي وتَحْضُر وتُستْقبل ،فأي زمن اعتبر معها فهي حقيقة بأن يُقسم بكونها فيه ،ولذلك أقسم بالصبح إذَا أسفر مع اسم الزمن المستقبل .وقرأه ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والكسائيّ وأبو جعفر{ إِذَا دَبَر} بفتح الذال المعجمة من{ إذا} بعدها ألف ،وبفتح الدّال المهملة من دَبَر على أنه فعل مضي مجرد ،يقال: دَبَر ،بمعنى: أدبر ،ومنه وصفه بالدّابر في قولهم: أمسسِ الدّابرِ ،كما يقال: قبل بمعنَى أقبل ،فيكون القسم بالحالة المستقبلة من إدبار الليل بعد نزول الآية ،على وزان{ إذَا أسفر} في قراءة الجميع ،وكل ذلك مستقيم فقد حصل في قراءة نافع وموافقيه تفنن في القسم .